وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (١).
وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) (٢).
فالأظهر فيه الرحمة ، وقرئ بلفظ الجمع) (٣).
ويعلّل القرطبي ويعلق على هذه القضية بكلام نفيس رائع فيقول : (فمن وحّد مع الريح فلأنه اسم للجنس ويدل على القليل والكثير ، ومن جمع فلاختلاف الجهات التي تهب منها الرياح ، ومن جمع مع الرحمة ووحد مع العذاب فإنه فعل ذلك اعتبارا بالأغلب في القرآن نحو : الرياح مبشرات ، والريح العقيم ، فجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة ، مفردة مع العذاب إلا في يونس (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) (٤).
وروي أن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان يقول إذا هبت الريح : «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» (٥) وذلك لأن ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنها جسم واحد ، وريح الرحمة لينة متقطعة فلذلك هي رياح ، فأفردت مع الفلك في يونس ، لأن ريح إجراء السفن إنما هي ريح واحدة متصلة ثم وصفت بالطيب (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) فزال الاشتراك بينها وبين ريح العذاب) (٦).
وإنها دقة عالية في التعليل لدى القرطبي رحمهالله ، فالريح هي التي تحمل الدمار والخراب والشر ولشدة قوتها واتصال أجزائها لا يشعر بها الناس ، حتى إذا ما وصلت إليهم ونسفت قواعدهم ودمرت منازلهم ، تراهم قد أصيبوا بالهلع والذعر وربما الزوال ، أما الرياح فهي النسيم العليل الحافل بالخير والبركة والهدوء والمطر والراحة النفسية والطمأنينة القلبية ، فتبارك الله الذي جعل للهواء جناحين جناح رحمة والآخر عذاب.
__________________
(١) سورة الأعراف ، ٥٧.
(٢) سورة الروم ، الآية : ٤٨.
(٣) مفردات ألفاظ القرآن ، للراغب الأصفهاني ، ص : ٣٧٠.
(٤) سورة يونس ، الآية : ٢٢.
(٥) مسند الشافعي ، ١ / ١٨ ، وأبو يعلى ، رقم : (٢٤٥٦) ، ٤ / ٢٤٣ ، والمعجم الكبير ، سليمان بن أحمد أبو القاسم الطبراني ، تحقيق ، حمدي السلفي ، الموصل ، مكتبة العلوم والحكم ، الطبعة الثانية ، ١٤٠٤ ه / ١٩٨٣ ، رقم : (١١٥٣١) ، ١١ / ٢١٣.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ١ / ١٩٨.