من هذا العرض السريع ومن هذه الزاوية ، اتضح معنى الاستبشار بالرياح ، وكيف أنها حفلت بالبشرى للناس وبالأمطار والخواص الأخرى التي ذكرناها.
ثالثا : الذاريات : قال تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤)) (١).
لقد أقسم الله سبحانه وتعالى بوصف عمل الرياح الذارية ، وله جل جلاله أن يقسم بما شاء من خلقه وليس لنا أن نقسم إلا بالله أو صفاته.
يقول الزمخشري : ((وَالذَّارِياتِ) هي الرياح لأنها تذر التراب وغيره ، كما قال الله سبحانه وتعالى : (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) (٢).
ويقول صاحب «الظلال» : ((وَالذَّارِياتِ) من عملها حمل حبوب اللقاح النباتية من أعضاء التذكير في الأزهار الأسدية أو المآبر ، إلى أعضاء التأنيث في مواقعها المتنوعة ، وهي المدقة أو المتاع الحاوي على البيوض ، وبالتالي تقوم الرياح بعمل التأبير لإخصاب أزهار النباتات ، وإنجاز تكون البذور) (٣).
وفي «لسان العرب» : (ذرت الريح التراب وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا وأذرته أطارته وسفته وأذهبته) (٤).
يتّضح مما أسلفنا من أقوال العلماء أن عمل الرياح «الذاريات» متنوع ، فللذاريات وظيفة في حمل التراب والرمال وغيرهما من مكان لآخر ، وحمل غبار الطلع من أعضاء التذكير الزهرية لتلقيح البويضة وذلك في عملية التأبير المعروفة علميا ، وذلك إعجاز علمي حوته كلمة الذاريات لأنها تدل على هذه الوظائف التي سخرها الله لخدمة الناس.
وفي الصحارى يظهر أثر الرياح الذارية في (تشكيل سطح الأرض كعامل إرساب بالصحارى الحارة الجافة ، وذلك لتكوين الكثبان الرملية التي هي عبارة عن تلال رملية
__________________
(١) سورة الذاريات ، الآيات ١ ـ ٤.
(٢) الكشاف ، للزمخشري ، ٤ / ١٣ ، وانظر : التفسير الوسيط ، وهبة الزحيلي ، بيروت ، دار الفكر المعاصر ، ٢٠٠٠ ، ٣ / ٩٢.
(٣) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ٦ / ٣٣٧٥.
(٤) لسان العرب ، لابن منظور ، ١٤ / ٢٨٢.