الحق سبحانه وتعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١).
ولسيد قطب رحمهالله ، تعليق جميل على هذه الآية الكريمة نثبته هنا يقول : (تبشر بالمطر ، وهم يعرفون الريح الممطرة بالخبرة والتجربة ، فيستبشرون بها (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) بآثار هذه البشرى من الخصب والنماء (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) سواء بدفع الرياح لها ، أو بتكوين الأنهار من الأمطار فتجري السفن فيها ، وهي تجري مع هذا بأمر الله ووفق سنته التي فطر عليها الكون ، وحسب تقديره سبحانه ، فقد أودع كل شيء خاصيته ووظيفته وجعل من شأن هذا أن تحف الفلك على سطح الماء فتسير ، وأن تدفعها الرياح فتجري مع التيار أو ضد التيار وكل شيء عنده بمقدار) (٢).
وهذا ما كشفه علماء الطبيعة في الآونة الأخيرة (من خاصية دفع الماء للأجسام إلى أعلى مما يجعلها تطفو جميعا ، أو قد يطفو جزء منها ويغمر باقيها حسب قانون الطفو الفيزيائي (٣) المعروف ، والذي تنسب أبحاثه الأولى إلى عالم الطبيعة المشهور المدعو «أرخميدس» (٤) وقد سميت تلك الظاهرة الكونية ظاهرة دفع الماء الأجسام إلى الأعلى ، الواصفة لبعض خصائص الماء باسمه فقيل غفلة وتجاهلا : دافعة «أرخميدس» ، وأجريت لها حسابات وتطبيقات عملية ، وإنما هي في الواقع سنة من سنن الله الباري سبحانه ، سخر بها البحار والأنهار وما فيها من الماء ، للناس لتجري الفلك والمراكب البحرية بأمره جل ثناؤه ... وإنما كان «لأرخميدس» الفضل حقا في أنه أول من كشف عن هذا القانون العام ، وأماط اللثام عن هذه الحقيقة الكونية القائمة منذ القديم) (٥).
__________________
(١) سورة الروم ، الآية : ٤٦.
(٢) في ظلال القرآن ، سيد قطب ، ٥ / ٢٧٧٤ ، وانظر : تفسير الشعراوي ، القاهرة ، أخبار اليوم ، د. ت ، ٧ / ٤١٨٢.
(٣) وهو خاص بالأجسام التي يحملها الماء على متنه.
(٤) أرخميدس ، ٢٨٧ ـ ٢١٢ ق. م ، عالم رياضي يوناني برهن أن كل جسم إذا انغمس في سائل ، يتلقى دفعة عمودية من أسفل إلى أعلى توازي ثقل ما شغل مكانه من السائل. انظر : صانعو التاريخ ، سمير شيخاني ، بيروت ، مؤسسة عز الدين ، ١٤١٦ ه / ١٩٩٦ ، ١ / ٥٤.
(٥) مشهد الرياح وتصريفها ، عبد الكريم العثمان ، الرياض ، الدار العالمية للكتاب الإسلامي ، الطبعة الأولى ، ١٤١٨ ه / ١٩٩٧ ، ص : ٤٧.