فالله سبحان تعالى يرينا البرق الذي يحمل هذين المعنيين ـ الخوف والطمع ـ لتلهج ألسنتنا بذكر الله وتسبيحه وتحميده ، لأن الكون كله يسبح الله من ملائكة ورعد وبرق وشجر وحجر ، لكننا نحن معاشر البشر لا ندرك كنه هذا التسبيح حقيقة ، ويرسل العزيز الجبار الصواعق فيصيب بها من يشاء من عباده ويعذب بها من يريد ، ليعلم الذين غفلوا عن الله أن الله شديد المحال ، شديد البطش والقوة يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء.
ولقد أشار الحق سبحانه وتعالى إلى أن البرق والصواعق التي يرسلها تسبب الهلاك والموت. قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (١).
فالصواعق قاتله ، ومهلكة للممتلكات ومزهقة للأرواح ، ومدمرة لقواعد البشر المعمرية والعملية والبرية والبحرية ... زد على ذلك فإن الشحنات الكهربائية التي تصدر عن البرق ، تؤدّي إلى العمى قال تعالى في ذلك : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ).
إن هذه الحقائق التي ذكرها القرآن الكريم عن الصواعق والبرق والرعد ، معجزة كشف العلم عنها يوم توفّرت له أجهزة البحث المتطورة ... والآية الكريمة أخذت معنا مبحثا كاملا ، وكنا قد استعرضنا آراء المفسرين واللغويين فيها ، إلا أننا نورد هنا قولا واحدا فيما يتعلق بالبرد والبرق في هذه الآية الكريمة ، يقول ابن كثير : ((وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) معناه أن في السماء جبال برد ينزل الله منها البرد ... (يَشاءُ) يحتمل أن يكون المراد بقوله :
(فَيُصِيبُ بِهِ) أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد ، فيكون قوله : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) رحمة لهم (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) أي يؤخر عنهم الغيث ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله سبحانه : (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بالبرد نقمة على من يشاء ، لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم ويصرفه عمن يشاء أي رحمة بهم ، وقوله سبحانه : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته) (٢).
__________________
(١) سورة النور ، الآية : ٤٣.
(٢) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٦ / ٦٦ ، وانظر : التفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، بيروت ، دار العلم للملايين ، الطبعة الرابعة ١٩٩٠ ، ٤ / ٣٨٦.