تسيرها الرّياح سيرا حثيثا ، وذلك أنّ الأجرام العظام إذا تحركت نحو سمت لا تكاد تتبين حركتها ، وقد أدمج في هذا التشبيه تشبيه حال الجبال بحال السّحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها) (١).
وأما الآية الثانية ، فيقول القرطبي : (والجدد ، جمع جدة ، وهي الطرائق المختلفة الألوان ، وحمر مختلف ألونها ، وغرابيب سود ، الغربيب الشديد السواد ففي الكلام تقديم وتأخير والمعنى ، ومن الجبال سود غرابيب ، والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب ، أسود غربيب) (٢).
وفي «أنوار التنزيل» : ((وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) أي ذو جدد أي خطط وطرائق ، يقال : جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره ، وقرئ (جُدَدٌ) بالضم جمع جديدة ، بمعنى الجدة (جُدَدٌ) بفتحتين وهو الطريق الواضح ، (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) بالشدة والضعف ، (وَغَرابِيبُ سُودٌ) عطف على (بِيضٌ) أو على (جُدَدٌ) كأنه قيل : ومن الجبال ذو جدد مختلفة اللون ، ومنها ، أي من الجبال ، (وَغَرابِيبُ) متحدة اللون ، وهو تأكيد مضمر يفسره ما بعده ، فإن الغربيب تأكيد للأسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد) (٣).
ومعنى جدد في اللغة ، ففي «مفردات ألفاظ القرآن» : (جدد ، جمع جدة ، أي طريق ظاهرة ، من قولهم : طريق مجدود ، أي مسلوك مقطوع ، ومنه جادة الطريق) (٤).
وأما غرابيب فمعناها : (جمع غربيب ، وهو المشبه للغراب في السواد ، كقولك : أسود كحلك الغراب) (٥).
ولعل من المفيد أن نشير إلى أن عددا ليس بالقليل ممن تناول تفسير الآية الأولى ، أخضعها إلى عوالم الآخرة ومشاهد النكبة والخراب التي ستسيطر على الكون إبان قيام
__________________
(١) إرشاد العقل السليم ، لأبي السعود ، ٤ / ٢٧٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ، ٧ / ٢١٩ ، وانظر : تفسير القرآن الكريم إعرابه وبيانه ، محمد طه الدرة ، دمشق ، دار الحكمة ، ١٩٨٢ ١١ / ٥٩٧.
(٣) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٤ / ٤١٧.
(٤) مفردات ألفاظ القرآن ، للأصفهاني ، ص : ١٨٨.
(٥) المصدر نفسه ، ص : ٦٠٥.