تقريبا ، والتي تدعى (الأثينوسفير) ، كما أن الجبال قد تصل بجذورها إلى هذه الطبقة لتطفو كما تفعل القشرة ، فالقارات بجبالها الطافية فوق الرداء تشبه السفن العملاقة الطافية فوق البحار في رسوها بل وفي حركتها ... وعلى هذا فالجبال مع قاراتها تمر طافية على ألواح (الليثوسفير) مرورا بطيئا ، لا تستطيع إدراكه فتحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) (١).
ولقد كشف علم الجيولوجيا حديثا عن الحقيقة العلمية (التي تؤكد التغير المستمر لما يبدو لنا ثابتا وخالدا كالصخور والجبال ، وهذا التغير قد يحدث تدريجيا عبر ملايين السنين ، وقد يحدث فجائيا عند حدوث الكوارث الطبيعية كما حدث في زلزال (ألاسكا) عام ١٩٦٤ ، الذي هزّ جبلا عاليا هزا عنيفا لدرجة أن جزءا كبيرا من قمة الجبل تحطم ... إن كل ظواهر التعرية تتم بتقدير إلهي ينظم كل شيء في ترتيب متقن محكم ، فالجبال ليست ساكنة أو دائمة ولكنها تمرّ مرّ السحاب ، فهي تتشكل وتزول تدريجيا عبر ملايين السنين ، أو تزول بصورة مفاجأة كما في حالة الكوارث الطبيعية) (٢).
وأما قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)) (٣).
فإن هذه الآية تخلق مثيرا في كيان العلماء لتنبههم إلى حقيقة جيولوجية ، قد أشار إليها كتاب الله ، وهذه الحقيقة تتمثل في اختلاف وتنوع صخور الجبال وألوانها ، وإنما يعود اختلاف ألوانها إلى اختلاف تركيبها وتكوينها ، ولكن منشأها واحد وهو الأرض ، وعليه فإن هذا الاختلاف والتنوع وراءه أصل واحد ، وفي هذا تأكيد على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى.
__________________
(١) المعارف الكونية ، نخبة من العلماء ، ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، وانظر : كوكب الأرض ، حسن أبو العينين ، الإسكندرية ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الطبعة الحادية عشر ، ١٩٩٦ ، ص : ٣٧٦ وما بعدها ، وانظر : قواعد الجيومورفولوجيا العامة ، جودت حسنين جودت ، الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، ١٩٩٦ ، ص : ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٢) من دلائل الإعجاز العلمي ، موسى الخطيب ، ص ٢٥١.
(٣) سورة فاطر ، الآيتان ٢٧ ، ٢٨.