بهذه الظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة الليل وظلمة البحر ، فلا يبصر من كان في هذه الظلمات شيئا ولا كوكبا ...
(إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) أي الناظر (لَمْ يَكَدْ يَراها) أي من شدة الظلمات) (١).
وفي تفسير «بحر العلوم» : ((أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) يعني : مثل الكافر كمثل رجل يكون في بحر عميق في الليل ، كثير الماء (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ) يعني يكون في ظلمة البحر ، وظلمة الليل ، وظلمة السحاب ، فكذلك الكافر في ظلمة الكفر ، وظلمة الجهل وظلمة الجور والظلم ، ويقال : (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) يعني المعاصي ، ومن فوقه العداوة والحسد والبغضاء ، و (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) يعني الخذلان من الله تعالى.
ثم قال : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) كما قال للمؤمن : (نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) فيكون للكافر ظلمة على ظلمة ، قوله ظلمة ، وعمله ظلمة ، واعتقاده ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ومصيره إلى الظلمة ، وهو النار ، ويقال : شبه قلب الكافر بالبحر العميق ، وشبه أعضاءه بالأمواج الثلاث ، طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، فهذه الظلمات الثلاث تمنعه عن الحق ، ثم قال : ((إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) يعني لم يكن أقرب إليه من نفسه ، فإذا أبرز يده لم يكد يراها من شدة الظلمة ، ومع ذلك لم ير نفسه) (٢).
وعند الطبري : (ومثل أعمال هؤلاء الكفار في أنها عملت على خطأ وفساد وضلالة وحيرة من عمالها فيها وعلى غير هدى ، مثل ظلمات في بحر لجّيّ ، ونسب البحر إلى اللّجة ، وصفا له بأنه عميق كثير الماء ، ولجة البحر معظمه ، يغشاه موج يقول : يغشى البحر موج ، من فوقه موج يقول : من فوق الموج موج آخر يغشاه ، من فوقه سحاب يقول : من فوق الموج الثاني الذي يغشى الموج الأوّل سحاب ، فجعل الظلمات مثلا لأعمالهم ، والبحر اللجي مثلا لقلب الكافر ، يقول : عمل بنية قلب قد غمره الجهل وتغشّته الضلال والحيرة كما يغشى هذا البحر اللّجيّ موج من فوقه موج من فوقه سحاب ، فكذلك قلب هذا الكافر الذي مثل عمله مثل هذه الظلمات ، يغشاه الجهل
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ، للإمام القرطبي ، ٦ / ١٨٨ ، وانظر : تفسير روح البيان ، إسماعيل حقي البروسوي ، بيروت ، دار الفكر ، د. ت ٦ / ١٦٢.
(٢) بحر العلوم ، للسمرقندي ، ٢ / ٥٣٨.