وقال الزمخشري : (مرج البحرين ، أرسل البحر المالح والبحر العذب ، متجاورين متلاقيين لا فصل بين الماءين في مرأى العين ، (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) حاجز من قدرة الله تعالى (لا يَبْغِيانِ) لا يتجاوزان حدّيهما ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة) (١).
وعند الرازي : ((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أي خلاهما وأرسلهما يقال : مرجت الدابة إذا خليتها ترعى وأصل المرج الإرسال والخلط ، سمى الماءين الكبيرين الواسعين بحرين ، قال ابن عباس : مرج البحرين أي أرسلهما في مجاريهما كما ترسل الخيل في المرج وهما يلتقيان ، وقوله : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) والمقصود من الفرات البليغ في العذوبة حتى يصير إلى الحلاوة ، والأجاج نقيضه ، وأنه سبحانه بقدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج ، وجعل من عظيم اقتداره برزخا حائلا من قدرته ، وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : ما معنى قوله : (وَحِجْراً مَحْجُوراً)؟ الجواب : هي الكلمة التي يقولها المتعوذ وقد فسرناها ، وهي هاهنا واقعة على سبيل المجاز ، كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول له حجرا محجورا ، كما قال : (لا يَبْغِيانِ) أي لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة ، فانتفاء البغي ثمة كالتعوذ ، وهاهنا جعل كل واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه ، فهو يتعوذ منه وهي من أحسن الاستعارات) (٢).
وفي «أنوار التنزيل» : (خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان ، من مرج دابته إذا خلاها ، (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) قامع للعطش ، من فرط عذوبته (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) بليغ الملوحة وقرئ (مِلْحٌ) على فعل ، ولعل أصله مالح فخفف كبرد في بارد ، (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) حاجزا من قدرته ، (وَحِجْراً مَحْجُوراً) وتنافرا بليغا ، كأن كلا منهما يقول للآخر ما يقوله المتعوذ للمتعوذ عنه ، وقيل : حدا محدودا ، وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقه فتجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها وقيل : المراد بالبحر العذب ، النهر العظيم مثل النيل وبالبحر الملح البحر الكبير ، وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة ، مع أن مقتضى طبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلاصقت وتشابهت في الكيفية) (٣).
__________________
(١) الكشاف ، للزمخشري ، ٤ / ٤٥ ، وانظر : معرض الإبريز من الكلام الوجيز عن القرآن العزيز ، عبد الكريم الأسعد ، الرياض ، دار المعراج ، الطبعة الأولى ، ١٤١٩ ه / ١٩٩٨ ، ٣ / ٩٣٥.
(٢) التفسير الكبير ، للرازي ، ٢٤ / ٤٧٥.
(٣) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٤ / ٢٢١.