ويثبت القرآن هذه المعجزة في سورة من كتابه العزيز ، سماها سورة «القمر» وكان مطلع استهلالها قول الحق : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١).
روى الطبري بسنده في تفسيره ، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : (نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ ، فجاءت الجمعة ، فحضر أبيّ ، وحضرت معه ، فخطبنا حذيفة فقال ألا إن الله يقول : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشق ، ألا وإن الدنيا قد أذنت بفراق وإن اليوم مضمار وغدا السباق ...) (٢).
يقول الحافظ ابن كثير : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قد كان هذا في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة ، وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال خمس قد مضين ، الروم والدخان واللزام والبطشة والقمر ، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلىاللهعليهوسلم وأنه كان إحدى معجزاته الباهرات) (٣).
وكما ذكر الحافظ ابن كثير بأن الأحاديث في هذه المعجزة ثابتة وكثيرة ، ومنها ما ورد في صحيح البخاري من حديث ابن عبد الله رضي الله عنه قال : (انشق القمر ونحن مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، بمنى فقال : اشهدوا ، وذهبت فرقة نحو الجبل) (٤).
قال الخطابي كما ورد في «فتح الباري» : (انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء ، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجا عن جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع ، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة ، فلذلك صار البرهان به أظهر) (٥).
ثم إن حادثة انشقاق القمر على الرغم من استفاضة الأخبار حولها ، وتخليد القرآن لها وكفى بالقرآن شاهدا على وقوعها ، وما نقل في الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم على الرغم
__________________
(١) سورة القمر ، الآية : ١.
(٢) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، محمد بن جرير بن يزيد الطبري ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤٠٥ ه ، ١٢ / ٥١.
(٣) تفسير القرآن العظيم ، إسماعيل بن عمر بن كثير ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤٠١ ه ، ٤ / ٤٢٧.
(٤) رواه البخاري ، في فضائل الصحابة ، باب انشقاق القمر ، رقم (٣٦٥٦) ، ٣ / ١٤٠٤ ، وأحمد في مسنده ، رقم (٤٣٥٧) ، ١ / ٤٥٦.
(٥) فتح الباري ، لابن حجر ، ٩ / ٤١.