استدراك : هناك استدراك بسيط يلفت الانتباه إليه هنا ، وهو أن الجمهور ذهبوا إلى أن القدر المعجز من القرآن هو السورة ، سواء كانت طويلة أم قصيرة كسورة الكوثر ، لكن الذي زاد على هذا الذي ذهب إليه الجمهور ـ كما سلف ـ فقال : أو مقدار السورة القصيرة ، وهي ثلاث آيات معجز أيضا ، هذا الرأي يحتاج إلى تمحيص وتحقيق ... فالحق سبحانه وتعالى قال : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٢٤) (١) فالله تبارك وتعالى تحداهم (بِسُورَةٍ) وهي نكرة فهي تشمل السورة القصيرة والطويلة ، لكنه لم يقل : أو مقدارها ، فمقدار أقصر سورة وهي سورة الكوثر ثلاث آيات ، هل هو معجز؟.
الجواب : نحن نعلم من خلال دراستنا لأسلوب القرآن الكريم في عرض السورة ، أن السورة لها بناء متكامل ، ووحدة موضوعية دقيقة ، وتناسق وتساوق في إبراز معالم القضية المعروضة من مقدمة ولب وخاتمة ، ولربما تبسط القضية فتأخذ شوطا واسعا أو تكون مقتضبة ، وفي كل الأحوال فإنها تعبر عن شخصية متكاملة ، وهذا هو الميزان الذي ينبغي أن نحتكم إليه عند ما نقول : أو ما يماثل السورة من الآيات ، فإن كانت هذه الآيات التي تماثل السورة خاضعة لهذا الميزان ففيها الإعجاز وإلا فالقول ما قاله ربنا (بِسُورَةٍ) ، وهذا لا يعني أن في مقدور أحد من البشر أن يأتي بمقدار أقصر سورة من الآيات ، أي بثلاث آيات ، لا وإنما نركز ونقيد قدر السورة بالوحدة الموضوعية ، والبناء المت ناسق الذي هو شرط للقول بالإعجاز.
__________________
(١) سورة البقرة ، الآيتان ، ٢٣ ـ ٢٤.