سلبت بطريق السحر كما افتروا : إن تأثير القرآن على الأنفس إنما هو من قبيل السحر) (١).
٢ ـ ثم إن قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٢) ففي الآية دليل على أن عجزهم كان مع وجود قدرتهم ، وإلا فهل يمكن أن يستقيم التحدي ويتمّ مع المنع والعجز ، وكذلك فإن إشارة الآية إلى المظاهرة والمعاونة دليل آخر على تكاتف القوى ، وتآزر الجموع ، وهل يكون هذا إلا مع بقاء القدرة ، وفي نفس الوقت دليل على العجز مع القدرة ، فلو سلبت منهم العلوم كما يزعم المرتضى لما صحّ البتة التحدي لا عقلا ولا شرعا.
٣ ـ ثم إن (استعظام العرب لفصاحة القرآن وبلاغته ، وتعجبهم من ذلك لهو دليل على بطلان الصرفة ، فلو كانوا مصروفين عن المعارضة بنوع من الصرف لكان تعجّبهم للصرف لا للبيان المعجز وكلامهم قبله ، كالفرق بين كلامهم بعد التحدي وبين القرآن ، ولمّا لم يكن كذلك بطل القول بالصرفة) (٣) ، والتاريخ يثبت أن العرب أبدا لم تفقد عقولهم بعد التحدي ، لأن سلب العلوم وقت التحدي يؤدي إلى زوال العقول وإلى الجنون ، ولكنّ شيئا من هذا لم يحدث أبدا ، بل بقيت العقول بعد التحدي كما كانت قبله ، وكذلك العلوم.
٤ ـ ونجد أن للآلوسي في «روح المعاني» ردا على المرتضى مختصرا ومعبرا يقول : (وهو خاص بمذهب المرتضى أنه لو كان الإعجاز بفقدهم العلوم لتناطقوا به ، ولو تناطقوا لشاع إذ العادة جارية بالتحدث بالخوارق فحيث لم يكن ، دلّ على فساد الصرفة بهذا الاعتبار واستدل بعضهم على فساد القول بها بقوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٤) فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرهم ، ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لاجتماعهم ، لأنه بمنزلة اجتماع الموتى ، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره) (٥).
__________________
(١) مباحث في إعجاز القرآن ، مصطفى مسلم ، ص : ٦٠.
(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٨٨.
(٣) الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ، محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ابن القيم ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، ١٤١٥ ه / ١٩٩٤ ، ص : ٣٨٦.
(٤) سورة الإسراء ، الآية : ٨٨.
(٥) روح المعاني ، للآلوسي ، ١ / ٣٠.