أقاصي نفسه مشاعر الحب والولاء لله تبارك وتعالى ، فضلا عما يساور نفسه من نشوة يجد متعتها وهو يتلو القرآن الكريم ...
زيادة على ذلك فقد صدق من قال : رب ضارّة نافعة ، نعم فلقد كان للقول بالصرفة أثر واضح في دفع العلماء للرد عليه ، وذلك من خلال الاتجاه إلى البحث والكتابة والتأليف في ميادين البلاغة القرآنية ، والكمّ الكبير من كتب البلاغة الذي نراه اليوم ، إنما كان انعكاسا واضحا للمجهود الذي قدمه السلف الصالح ، وهم يردون على القول بالصرفة ، وذلك من خلال دراسة أسرار الإعجاز في كتاب الله تعالى ، والتأمل في أسلوبه البياني ، وإيقاعه النفسي ... فكانت هذه الكتب ثروة ذخرت بها المكتبة العربية والإسلامية ، ويعتقد أن أحدا من الناس اليوم لا يمكن أن يجرؤ على القول بالصرفة أو ينادي به ، لأن من نادى به قديما إنما تذرع بفكرة عدم معارضته من الناحية البيانية ، أما اليوم ، وبعد انكشاف أسرار الكون ، والكشف عن غوامضه وخفاياه ، ووقوف العلماء على الإعجاز العلمي الذي يبرهن على أن ما توصل إليه علماء اليوم من كثير من الحقائق الكونية ، كان القرآن الكريم قد سبقهم لتسطير أسسها وتسجيل قواعدها قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن والدارس لهذا الجانب العلمي من القرآن الكريم بدقة وأناة لا بد إلا وأن يطأطأ الرأس إجلالا وإخباتا لعظمة هذا الكتاب ، على أننا نؤكد أن الجانب البياني إنما هو معجز أبد الدهر وأنه الرباط العام لكل مناحي وأوجه الإعجاز في كتاب الله ...
فالقول بالصرفة وهم لا يستند إلى دليل أو برهان ، بل هو مردود بأدلة نقلية وأخرى عقلية كما ورد ذلك في ثنايا البحث ، كما أنه مردود بتكذيب الواقع التاريخي له ، والذي أوضح سفور الصرفة وبطلانها .... وبإمكاننا الآن وقد طوينا ملف الصرفة ونقدها ، أن ننتقل لموضوع أشمل من هذا ، ألا وهو : أوجه إعجاز القرآن ، والذي سيدرس في المبحث القادم إن شاء الله تعالى.