محتمل ، أم إلى غير الآخرة منتقل؟ هيهات ، كلّا والله. ولكن صمّت الآذان عن المواعظ ، وذهلت القلوب عن المنافع ، فلا الواعظ ينتفع ، ولا السامع ينتفع (١).
وعنه قال : هب الدّنيا كلّها في يديك ، ودنيا أخرى مثلها ضمّت إليك ، وهب المشرق والمغرب يجيء إليك ، فإذا جاءك الموت فما ذا بين يديك؟
ألا من امتطى الصّبر ، قوي على العبادة ، ومن أجمع اليأس استغفر عن الناس ، ومن أهمّته نفسه لم يولّ مرمّتها (٢) غيره ، ومن أحبّ الخير وفّق له ، ومن كره الشرّ جنّبه (٣).
ألا متأهّب فيما يوصف أمامه ، ألا مستعدّ ليوم فقره وفاقته ، ألا شيخ مبادر انقضاء مدّته ، وفناء أجله (٤).
ما ينتظر من ابيضّت وفرته بعد سوادها ، وتكرّش وجهه بعد انبساطه ، وتقوّس ظهره بعد انتصابه ، وكلّ بصره ، وضعف ركنه ، وقلّ نومه ، وبلي منه شيء بعد شيء في حياته. فرحم الله امرأ عقل الأمر ، وأحسن النظر ، واغتنم أيّامه.
قال عبد الحميد بن صالح : نا ابن السّمّاك ، عن سفيان الثّوريّ قال : احتاجت امرأة العزيز فلبست ثيابها ، فقال لها أهلها : إلى أين؟
قالت : أريد أسأل يوسف. قالوا : نخافه عليك. قالت : كلّا ، إنّه يخاف الله ولست أخاف ممّن يخاف الله.
قال : فجلست على طريقه ، وقامت إليه لما أقبل ، فقالت : الحمد لله
__________________
(١) حلية الأولياء ٥ / ٢٠٥ باختلاف بعض الألفاظ.
(٢) هكذا في الأصل وصفة الصفوة ، وفي حلية الأولياء «مسرّتها».
(٣) صفة الصفوة ٣ / ١٧٥ ، وفي حلية الأولياء ٨ / ٢٠٦ «ومن كره الشرّ حبه» وهو تحريف.
(٤) كذا في الأصل ، وفي حلية الأولياء ٨ / ٢١٠ : «ألا شاب عادم مبادر لمنبّته ليس يغرّه شبابه ولا شدّة قوّته».