وإنّ لك من مقامك منصرفا. فانظر إلى أين منصرفك ، إلى الجنّة أم إلى النّار. فبكى الرشيد حتى كاد أن يموت (١).
وقال عبد الله بن صالح العجليّ : سمعت ابن السّمّاك يقول : كتب إليّ رجل من إخواني من أهل بغداد : صف لي الدّنيا. فكتبت إليه :
أمّا بعد ، فإنّه حفّها بالشّهوات ، وملأها بالآفات. ومزج حلالها بالمؤونات ، وحرامها بالتّبعات. حلالها حساب ، وحرامها عذاب ، والسلام (٢).
وعنه قال : همّة العاقل في النجاة والهرب. وهمّة الأحمق في اللهو والطّرب (٣).
عجبا لعين تلذّ بالرّقاد وملك الموت معه على الوسادة (٤).
حتّى متى يبلّغنا الواعظون أعلام الآخرة ، حتى كأنّ نفوسنا عليها واقفة. وكأنّ العيون إليها ناظرة ، ألا منتبه من نومته ، أو مستيقظ من غفلته ، ومفيق من سكرته ، وخائف من صرعته. كدحا للدنيا كدحا ، أما تجعل للآخرة منك حظّا (٥).
أقسم بالله لو قد رأيت القيامة تخفق بزلزال أهوالها (٦) ، والنّار قد علت مشرفة على أهلها ، وقد وضع الكتاب ، ونصب الميزان ، وجيء بالنّبيّين والشّهداء ، لسرّك أن تكون لك في ذلك الجمع منزلة. أبعد الدنيا دار
__________________
(١) تاريخ بغداد ٥ / ٣٧٢ ، صفة الصفوة ٣ / ١٧٤.
(٢) حلية الأولياء ٨ / ٢٠٤ ، تاريخ بغداد ٥ / ٣٧١ ، والبصائر والذخائر ٢ / ١ / ١٠٩ ، والتذكرة الحمدونية ١ / ١٨٧ رقم ٤٣٠.
(٣) حلية الأولياء ٨ / ٢٠٤ عن أبي حامد أحمد بن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم ، عن أبي بكر بن عبيد ، عن الحسين بن علي العجليّ ، قال : قال محمد بن السمّاك.
(٤) حلية الأولياء ٨ / ٢٠٤ ، ٢٠٥ عن أبي بكر محمد بن أحمد المؤذّن ، عن أحمد بن محمد بن عمر ، عن عبد الله بن محمد بن سفيان ، عن علي بن محمد البصري ، عن ابن السمّاك.
(٥) العبارة في حلية الأولياء «الرجا للدنيا يجعل للآخرة منك حظّا».
(١) في حلية الأولياء «تخفف نزلا لهدأ أهوالها».