فيها وثبوت الحقّ فيها وبطلان الباطل ليكون من قبيل الوصف بحال المتعلّق ، والاستفهام عنها وإتيان الظّاهر موضع المضمر للتّفخيم والتّعجيب (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) انكار درايته (ص) بالاستفهام الانكارىّ الدّالّ على المبالغة والإتيان بالاسم الظّاهر موضع المضمر والإتيان بالاستفهام كلّها يدلّ على التّفخيم (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) بالقيامة سمّيت بها لانّها تقرع قلوب الكفّار بأهوالها وإفزاعها ، أو تقرع فيها رؤسهم بالمقارع من النّار فلينظر هؤلاء الى تكذيبهم بها وعاقبتهم حتّى يرتدعوا عن التّكذيب (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) الصّيحة والرّجفة المتجاوزة عن الحدّ كما مضى مكرّرا (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) قد مضى قصّتهم مكرّرا ومضى في سورة فصّلت وسورة القمر بيان الرّيح الصّرصر (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) قد مضى في سورة القمر بيان الايّام الثّمانية ، وقد مضى سابقا قصّة عاد وثمود (حُسُوماً) الحسوم بالضّمّ الشّؤم والدّؤب (١) في العمل ، ويجوز ان يكون جمعا لحاسم بمعنى القاطع أو بمعنى المانع ، فالمعنى ثمانية ايّام شومات ، أو متتابعات أو قاطعات لحياتهم ، أو مانعات لهم ، قال القمّىّ : كان القمر منحوسا بزحل (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) موتى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) خالية الأجواف تشبيه لهم بعد خروج أرواحهم باعجاز النّخل المتأكّلة الأجواف (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) من الأمم الماضية ، وقرئ من قبله بكسر القاف وفتح الباء اى من عنده من اتباعه (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) اى قرى قوم لوط الّتى ائتفكت بأهلها (بِالْخاطِئَةِ) اى بالخطيئة (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ) ربّهم (أَخْذَةً رابِيَةً) مثل زيادة عملهم في القبح ، أو اخذة زائدة على خطائهم (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) في أمّة نوح (ع) (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) اى السّفينة الجارية يعنى حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) اى لنجعل الفعلة من طغيان الماء وحملكم في الجارية وإهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين تذكرة لكم وعظة وتعى هذه الفعلة أو التّذكرة اذن واعية ، وللاشارة الى التّأويل روى انّه قال الرّسول (ص) لعلىّ (ع): يا علىّ انّ الله تعالى أمرنى ان أدنيك ولا أقصيك ، وان اعلّمك وتعى ، وحقّ على الله ان تعى ، فنزل : وتعيها اذن واعية ، وفيه اشارة ما الى التّأويل فانّ فيه انّا لمّا التقى ماء البحر الأجاج من الأرض الهيولويّة وماء سماء الاهوية وطغى الماءان الملتقيان وحملناكم في سفينة نوح (ع) الّتى هي سفينة الشّريعة الّتى من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك ، أو سفينة الولاية الّتى هي المركب المنجى الحقيقىّ فانّ مثل عترته مثل سفينة نوح (ع) ينجو من ركبها ويهلك من تخلّف عنها ، لنجعل تلك الفعلة من طغيان الماء أو ركوب السّفينة أو نفس السّفينة الّتى هي الشّريعة أو الطّريقة تذكرة لأمور الآخرة وتعيها اى الشّريعة أو الطّريقة بآدابها ، أو هذه التّذكرة اذن واعية شأنها ان تعى ما يسمع ويرى ، وورد انّ رسول الله (ص) لمّا نزلت هذه الآية قال : سألت الله عزوجل ان يجعلها اذنك يا علىّ (ع) ، وفي رواية قال (ص): اللهمّ اجعلها اذن علىّ (ع) (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) لمّا ذكر القيامة وفخّمها فضّلها للتّهويل والتّهديد والمراد بالنّفخة هي النّفخة الاولى أو الثّانية ، والتّوصيف بالواحدة للاشعار باختصارها وسهولتها مثل قوله تعالى : وما أمرنا الّا واحدة كلح بالبصر (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ) اى رفعت عن مكانها (وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) اى دقّتا وكسرتا ، والتّوصيف بالواحدة مثل توصيف النّفخة يعنى يجعل الأرض مثل الأديم المنبسط ليس فيها تلال ولا وهاد (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) اى القيامة ، سمّيت واقعة لوقوعها لا محالة (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ)
__________________
(١) الدّؤب بالضّم الجدّ والتّعب في العمل.