(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) هو ربّ النّوع الانسانىّ وهو أعظم من جميع الملائكة المقرّبين وهو الّذى لم يكن مع أحد من الأنبياء (ع) وكان مع نبيّنا (ص) وكان مع أوصيائه الكاملين (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) والمقصود انّه تعرج الملائكة والرّوح اليه في تلك المعارج ، فانّ الملائكة والرّوح تنزل من مقامها العالي الى مقام الطّبع في الملك الكبير والصّغير ثمّ تعرج الى الله ومقامها الاوّل في تلك المعارج ، وقد مضى في سورة بنى إسرائيل وسورة السّجدة بيان لهذه الآية ، وعن الصّادق (ع) انّ للقيامة خمسين موقفا كلّ موقف مقام الف سنة ثمّ تلا الآية (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) على تكذيب قومك وكفرهم بولاية علىّ (ع) لانّهم واقعون في العذاب من غير انتظار لمجيئه (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) اى يرون ذلك اليوم أو العذاب بعيدا من الإمكان أو بعيدا امده (وَنَراهُ قَرِيباً) من الوقوع أو قريبا امده وأنت ترى برؤيتنا فينبغي ان تراه قريبا (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) كالفلزّ المذاب أو كدردىّ الزّيت ويوم بدل من قوله في يوم أو خبر مبتدء محذوف أو ظرف ليبصرونهم أو ليودّ المجرم (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) العهن القطعة من الصّوف أو المصبوغ ألوانا.
اعلم ، انّ الملائكة الموكّلة على بنى آدم والرّوح النّازلة إليهم من مقامها العالي تعرج الى مقاماتها بل الى الله تعالى بالموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ ، وبالموت يصير سماوات مقامات الأرواح كالصّفر المذاب في عدم تماسكها وعدم تمانعها وانشقاقها لخروج الرّوح الانسانيّة النّاطقة وتصير جبال الانانيّات كالصّوف المنفوش في عدم ثباتها وعدم تمانعها ، وتصير الأعضاء البدنيّة أيضا كالعهن في تخلخلها بخروج الرّوح عنها (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) قرئ بالبناء للفاعل وقرئ بالبناء للمفعول يعنى انّ كلّا منهم مشغول بنفسه بحيث لا يسأل الحميم عن حميمه أو لا يسأل حميم عن حميم حمل أوزاره أو دفع العذاب عنه ، لمعرفته انّه لا يغني عنه شيئا ، أو المعنى على البناء للمفعول لا يسئل حميم عن حال حميمه لعدم الاحتياج الى ذلك لمعرفة كلّ كلّ من سواه ، أو لانّ المذنب والمحسن والكافر والمؤمن كانوا ذوي علامات مغنية عن الاستفسار (يُبَصَّرُونَهُمْ) قرئ مبنيّا للمفعول ومبنيّا للفاعل وبصّره من التّفعيل يستعمل في معنى عرّفه وفي معنى قطعه ، وعن الباقر (ع) يعرّفونهم ثمّ لا يتساءلون (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) اى عشيرته الّتى يأوى هو إليهم في نوائبه وكانوا يؤويه في كلّ امر وكان يأوى إليهم في نسبه وصار منفصلا عنهم بالتّولّد منهم (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) ذلك الفداء (كَلَّا) اى يقال له كلّا ردعا له عن ذلك الوداد وعن إنجاء الفداء (إِنَّها لَظى) اللّظى كالفتى النّار أو لهبها ولظى معرفة كما هاهنا اسم لجهنّم أو لواد منها وضمير انّها للقصّة أو لجهنّم ، واستغنى عن ذكرها بشهودها (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) قرئ بالرّفع خبرا للظى ، أو خبرا بعد خبر لانّ وقرئ بالنّصب حالا والشّوى الأمر الهيّن ورذال المال واليدان والرّجلان والأطراف وقحف الرّأس وما كان غير مقتل ، والنّزاعة من نزعه قلعه ، أو من نزع الى اهله نزوعا اشتاق (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ) حينئذ عنها أو من أدبر عن الولاية (وَتَوَلَّى) عنها أو عن الولاية أو إليها ، واستعمال تدعو في معنى تجرّ بعنف للتّهكّم بهم (وَجَمَعَ) المال (فَأَوْعى) في وعاء الكنز (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) تعليل للجمع والايعاء يعنى انّ الإنسان بطبعه شديد الحرص وقليل الصّبر ، وقوله تعالى (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) إذا ظرف لجزوعا ، وجزوعا ومنوعا بدل تفصيلىّ من هلوعا ، وهلوعا حال مقدّرة أو محقّقة ، أو جزوعا خبر لكان مقدّرا ، وإذا