والجاحدين لولايته وان كانت الآيات بظواهرها عامّة لكنّ المنظور منها ذلك كما نشير اليه في مواقعه ، فقوله الّذين كفروا ظاهره اعمّ من الكفر بالله أو بالرّسول (ص) أو بالآخرة أو بعلىّ (ع) وولايته ، لكنّ المقصود الكفر بالولاية بقرينة قوله صدّوا عن سبيل الله فانّ سبيل الله ليس الّا الولاية سواء جعل صدّوا بمعنى اعرضوا أو منعوا (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) الّتى عملوها في الإسلام ، القمّىّ قال : نزلت في أصحاب رسول الله (ص) الّذين ارتدّوا بعد رسول الله (ص) وغصبوا أهل بيته حقّهم ، وصدّوا عن أمير المؤمنين (ع) وعن ولاية الائمّة (ع) (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة اى أسلموا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) اللّازمة لبيعتهم العامّة (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) في علىّ (ع) بقبول ولايته والبيعة معه (وَهُوَ الْحَقُ) اى الولاية الّتى نزلت على محمّد (ص) هي الحقّ (مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ) أزال عنهم (سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) حالهم أو قلبهم ، قال القمّىّ : نزلت في ابى ذرّ وسلمان وعمّار ومقداد لم ينقضوا العهد وآمنوا بما نزل على محمّد (ص) اى ثبتوا على الولاية الّتى أنزلها الله وهو الحقّ يعنى أمير المؤمنين (ع) (ذلِكَ) الإضلال وتكفير السّيّئات وإصلاح الحال (بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالولاية (اتَّبَعُوا الْباطِلَ) اى أهواءهم وأعداء أمير المؤمنين (ع) (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَ) الولاية وأمير المؤمنين (مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ) الضّرب لمثل علىّ (ع) وعدوّه بنحو العموم الّذى لا يلتفت اليه أعداء آل محمّد (ص) حتّى يسقطوه (يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) اى اوصافهم أو حكاياتهم أو الأمثال الّتى تشبه أحوالهم (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) فاضربوهم ضرب الرّقاب (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ) يعنى فاسروهم واحفظوهم بالوثاق ، والوثاق بالكسر والفتح ما يوثق به (فَإِمَّا مَنًّا) اى تمنّون منّا (بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) تخيير بين المنّ والفداء ، أو بيان لفائدة الحكم السّابق من دون تعرّض لحكم المنّ والفداء (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) بيان لغاية ضرب الرّقاب وشدّ الوثاق يعنى انّ ضرب الرّقاب وأسر الرّجال ليس الّا ما دام الحرب قائمة فاذا انقضت الحرب فلا تتعرّضوا لهم ، أو المعنى حتّى لا يبقى محارب وحرب في بلادكم فيكون رفع المحاربة من البين علّة غائيّة للمحاربة ، عن الصّادق (ع) انّه قال : كان ابى يقول : انّ للحرب حكمين ؛ إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أو زارها ولم يثخن أهلها فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فانّ الامام فيه بالخيار ، ان شاء ضرب عنقه وان شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم (١) وتركه يتشحّط في دمه حتّى يموت وهو قول الله عزوجل : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ) (الآية) قال والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكلّ أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار ان شاء منّ عليهم فأرسلهم ، وان شاء فاداهم أنفسهم ، وان شاء استعبدهم فصاروا عبيدا (ذلِكَ) اى الأمر والسّنّة بحسب الأسباب ذلك ، أو ذلك حكم الله بحسب الأسباب ، أو خذوا ذلك والزموه بحسب الأسباب (وَ) لكن (لَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) من دون أمركم بقتالهم (وَلكِنْ) يأمركم بقتالهم (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) فانّ في الجهاد تحصيل خصال عظيمة لا يمكن تحصيلها الّا به ، وتهديدا عظيما للكفّار حتّى يرغبوا في التّوبة قبل الاستيصال (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) قرئ قتلوا مجرّدا مبنيّا للمفعول ، وقرئ قاتلوا (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ) اى ما ينبغي ان يهدوا اليه من
__________________
(١) اى بغير قطع الدّم ففي الصّحاح حسمته ، قطعته فانحسم ، ومنه حسم العرق.