لصالحه أتى به وما كان بضرره تركه ومن هذه الناحية فإليه تعيين مصيره ، وهذا الإمتياز الكبير هو الضامن لتكامله المعنوي والأخلاقي والإنساني ، لأنّه لو لم يكن حراً مختاراً وقام مثلاً بالأعمال الحسنة وأسدى الخدمات للناس بدافع الإجبار أو تحت تأثير بعض العوامل الداخلية والخارجية ، لما كان هناك من فرق بينه وبين أحجار الصحراء التي تختزن بينها بعض الأجناس النفيسة والغالية إلى جانب الرخيصة ، وليس في هذا الفارق بين الأجناس أي إمتياز أخلاقي.
على سبيل المثال لو أجبر شخص بقوّة الحديد والنار على التبرع بعدّة ملايين لمؤسسة خيرية ، وقامت تلك المؤسسة ببعض النشاطات ، مع ذلك فهذا الأمر لايدعو لأي تكامل أخلاقي وإنساني لذلك الشخص ، بينما لو تبرع طواعية ولو بريال واحد بدافع من حريته وإختياره لأحرز تكاملاً بذلك المقدار ، وبناءاً على هذا فالشرط الأول للتكامل الإنساني والأخلاقي التمتع بالحرية والإرادة بحيث يسلك الإنسان طريقه بإرادته ، لا من خلال الإجبار من قبيل العوامل الإضطرارية لعالم الطبيعة ، وهذا هو الهدف الذي من أجله منح الله سبحانه الإنسان هذا الإمتياز العظيم (عليك بالدقة).
ومن الطبيعي أن يستغل بعض الأفراد هذه الحرية فيرتكبون مختلف الجنايات ، طبعاً إذا نوى الإنسان الذنب وأتى به فقد أران على قلبه ، وإن أكل مال اليتيم سار برجله نحو الموت ، وحين يمد يده إلى سرقة ـ على حد زعم ذلك الرجل الأبله الذي كان يحدد وظيفة الله ـ تتيبس فوراً ويكتب إسمه بخط واضح وكبير على صفحة السماء أنّه سارق ، طبعاً ليس هنالك لإنسان أدنى فخر إمتياز إنساني وتكامل روحي فيما إذا لم يقارف الذنوب تحت طائلة الإجبار ... هذا من جانب.