طبعاً لايبدو هذا الأمر غريباً من وجهة النظر الفلسفية ، لأنّ الإنسان «وجود» والوجود ينسجم مع الوجود الآخر ، بينما ليست له أية سنخية وتناسب مع العدم ، فما عليه إلّاالفرار والهرب منه ، لم لايهرب؟
إلّا أنّ هناك قضية مهمّة هنا لاينبغي الغفلة عنها وهي : كل هذه الأمور صحيحة إذا فسّر الموت بمعنى الفناء والعدم ونهاية كل شيء ، والحق لو فسّر كذلك فليس هناك شيء أعظم رهبة منه ، وكل ما قيل بخصوص هيولا الموت هو عين الصواب.
أمّا إن إعتبرنا الموت ـ كولادة الجنين من بطن أمّه ـ ولادة أخرى وآمنا بإنّ اجتيازنا لهذا الممر الصعب يعني وضع أقدامنا في عالم أوسع وأشمل وأكمل من هذا العالم وهو مليىء بأنواع النعم التي يصعب علينا تصورها في ظل الظروف الراهنة والحياة الفعلية.
وخلاصة القول فإن اعتبرنا الموت أكمل وأسمى من هذه الحياة ، والتي لا تعد سوى سجناً إن قارناها بالحياة في ذلك العالم ، فمن الطبيعي سوف لن تعد للموت مثل هذه المعاني التي تشير الخوف والهلع والنقرة لدى النفس ، وستكون له معاني جمالية رائعة قريبة من القلب محببة إلى النفس. لأنّه إن سلب من الإنسان جسمه زوده بالأجنحة ليحلق بها في سماء الأرواح الشفافة اللطيفة التي تفوق التصور والخيال والخالية من كافة أشكال الإقتتال والتراع والعداء والهموم والغموم.
وهنا نتذكر ذلك الشاعر الذي له مثل هذه الأفكار وهو يأمر حكيماً عالماً بلغة الشعر :
فلتمت أيّها الحكيم من مثل هذه الحياة ، فالموت من هذه الحياة لايعني سوى البقاء ، ولتحلق بأجنحتك كالطيور فتطوي تلك المسيرة