إن وقف. وخبر المعراج حق فمن ردّه فهو ضالّ مبتدع ، ....
____________________________________
في الحال (إن وقف) أي بأن توقف على بيان الأمر في الاستقبال ، لأن التوقّف موجب للشك ، وهو فيما يفترض اعتقاده كالإنكار ، ولذا أبطلوا قول الثلجي (١) من أصحابنا حيث قال : أقول بالمتفق وهو أنه كلامه تعالى ولا أقول مخلوق ، أو قديم ، هذا والمراد بدقائق علم التوحيد أشياء يكون الشك والشّبهة فيها منافيا للإيمان ومناقضا للإيقان بذات الله تعالى وصفته ومعرفة كيفية المؤمن به بأحوال آخرته فلا ينافي أن الإمام توقف في بعض الأحكام لأنها في شرائع الإسلام فالاختلاف في علم الأحكام رحمة ، والاختلاف في علم التوحيد والإسلام ضلالة وبدعة ، والخطأ في علم الأحكام مغفور ، بل صاحبه فيه مأجور بخلاف الخطأ في علم الكلام ، فإنه كفر وزور ، وصاحبه مأزور.
(وخبر المعراج) أي بجسد المصطفى صلىاللهعليهوسلم يقظة إلى السماء ، ثم إلى ما شاء الله تعالى من المقامات العلى (حق) أي حديثه ثابت بطرق متعددة (فمن ردّه) أي ذلك الخبر ولم يؤمن بمقتضى ذلك الأثر (فهو ضالّ مبتدع) أي جامع بين الضلالة والبدعة.
وفي كتاب الخلاصة : من أنكر المعراج ينظر إن أنكر الإسراء من مكة إلى بيت المقدس فهو كافر ، ولو أنكر المعراج من بيت المقدس لا يكفر ، وذلك لأن الإسراء من الحرم إلى الحرم ثابت بالآية ، وهي قطعية الدلالة ، والمعراج من بيت المقدس إلى السماء ثبت بالسّنّة وهي ظنيّة الرواية والدراية ، وقد أفردت هذه المسألة المصوّرة رسالة مختصرة وسمّيتها بالمنهاج العلوي في المعراج النبوي ، وقد أغرب شارح العقائد في تأويل قول عائشة رضي الله تعالى عنها ما فقد جسد محمد صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج (٢) حيث قال : معناه ما فقد جسده عن الروح ، بل كان معه روحه (٣). انتهى. وغرابته لا تخفى (٤) ، والتأويل الصحيح أن المعراج كان بمكة في أوائل البعثة حين لم تولد عائشة رضي الله عنها ، أو يقال : القضية كانت متعددة ، ولذا اختلف في الانتهاء فقيل : إلى الجنة ، وقيل : إلى العرش ، وقيل : إلى ما فوقه وهو مقام (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٥). ولا يلزم من تعدّد الواقعة فرض الصلاة كل مرة كما
__________________
(١) الثلجي : هو ابن شجاع أبو عبد الله الثلجي أحد الفقهاء ، صحب الحسن بن زياد وتفقّه عليه ، له تصانيف منها تصحيح الآثار والنوادر. توفي سنة ٢٦٦ ه.
(٢) أخرجه ابن إسحاق في السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٣٩٩. وانظر زاد المعاد للإمام ابن القيم ٣ / ٤٠.
(٣) شرح العقائد النسفية ص ٢٢٠.
(٤) تصحّفت في الأصل إلى يخفى والثواب تخفى بالتاء.
(٥) النجم : ٨ ، والمقصود بالدنو هنا هو دنو جبريل وتدلّيه كما قالت عائشة وابن مسعود رضي الله عنها