ولا يوجد إسلام بلا إيمان فهما كالظهر مع البطن. والدين اسم واقع على الإيمان والإسلام والشرائع كلها ....
____________________________________
الخطاب ، وكما صدر لإبليس حال العتاب فلا بدّ من جمعهما في صوب الصواب (ولا إسلام بلا إيمان) تأكيد لما قبله وإشارة إلى أنه يستوي تقدّم الإسلام على تحقّق الإيمان وعكسه في مقام الإيقان ، إذ ربما يتقدم التصديق الباطني ويتأخر الانقياد الظاهري كمؤمني أهل الكتاب وربما يتقدّم الإسلام ظاهرا ثم يوجد التصديق باطنا كما وقع لبعض المنافقين حيث سلكوا في الآخر طريق المؤمنين ، ولعل هذا وجه الحكمة في قضية المؤلّفة (فهما) أي الإسلام والإيمان كشيء واحد حيث هما لا ينفكّان (كالظهر مع البطن) أي للإنسان ، فإنه لا يتحقّق وجود أحدهما بدون الآخر ، وهذا تمثيل للمعقول بالمحسوس فتدبّر ، وقد ورد الإسلام علانية والإيمان سرّا أي مبني على نيّته.
والحاصل أن الإيمان محله القلب والإسلام موضعه القالب والجسد الكامل منهما يتركّب (والدين اسم واقع على الإيمان والإسلام والشرائع كلها) أي الأحكام جميعها ، والمعنى : أن الدين إذا أطلق فالمراد به التصديق والإقرار. وقبول الأحكام للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، كما يستفاد من قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (١). وقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٢). وقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣). وقوله تعالى : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٤).
وليس مراد الإمام الأعظم أن الدين يطلق على كل واحد من الإيمان والإسلام والشرائع بانفرادها كما توهم شارح في هذا المقام ، لأنه خارج عن نظام المرام.
وفي عقيدة الطحاوي (٥) ودين الله في الأرض والسماء واحد وهو بين الغلو والتقصير ، وبين التشبيه والتعطيل ، وبين الجبر والقدر ، وبين الأمن واليأس ، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا : «إنّا معاشر الأنبياء ديننا واحد» (٦)
__________________
(١) آل عمران : ٨٥.
(٢) آل عمران : ١٩.
(٣) الحج : ٧٨.
(٤) المائدة : ٣.
(٥) ٢ / ٧٨٦.
(٦) أخرجه البخاري ٣٤٤٣ ومسلم ٢٣٦٥ ح ١٤٥ بلفظ : «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلّات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد» ، وأخرجه أحمد ٢ / ٤٠٦ و ٤٣٧ بلفظ : «الأنبياء إخوة لعلّات دينهم واحد وأمهاتهم شتى ، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن ـ