وأما التي تكون لأعدائه مثل إبليس وفرعون والدجّال ...
____________________________________
فراسة إيمانية : وسببها نور يقذفه الله تعالى في قلب عبده ، وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب ويثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة ، ومنها اشتقاقها وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان ، فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة ، قال أبو سليمان الداراني (١) رحمهالله : الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب ، وهي من مقامات الإيمان. انتهى.
وفراسة رياضية : وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي ، فإن النفس إذا تجرّدت عن العوائق والعلائق بالخلائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجرّدها. وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل على إيمان ولا على ولاية ولا تكشف عن حق نافع ولا عن طريق مستقيم ، بل كشفها من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبارة الرؤيا والأطباء ونحوهم.
وفراسة خلقية : وهي التي صنّف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخلق على الخلق لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكم الله كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل وبكبره على كبره وبسعة الصدر على سعة الخلق ، وبضيقه على ضيقه وبجمود العينين وكلال نظرهما على بلادة صاحبهما وضعف حرارة قلبه ونحو ذلك (٢) (وأما التي تكون) أي الخوارق للعادة التي توجد (لأعدائه) أي لأعداء الله سبحانه (مثل إبليس) أي في طيّ الأرض له حتى يوسوس لمن في المشرق والمغرب وفي جريه مجرى الدم من بني آدم ونحو ذلك (وفرعون) أي حيث كان يأمر النيل فيجري على وفق حكمه ، كما أشار إليه سبحانه حكاية عنه بقوله تعالى : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) (٣) وحيث حكي عنه أنه كان إذا أراد أن يصعد قصره وينزل عنه راكبا كانت تطول قدما فرسه وتقصران على وفق غرضه (والدجال) أي حيث ورد أنه يقتل شخصا
__________________
ـ في المجمع وزاد نسبته إلى الطبراني في الأوسط. وقال : إسناده حسن ، وحسّنه أيضا السخاوي في المقاصد الحسنة ص ٢٠ ، وانظر تفسير ابن كثير ٤ / ٤٦١.
(١) هو عبد الرحمن بن أحمد الداراني ، ولد في حدود الأربعين ومائة ، وهو من كبار الزهّاد. مترجم في سير أعلام النبلاء ١٠ / رقم الترجمة ٣٤.
(٢) الكلام من قوله : اتقوا فراسة المؤمن إلى هنا مأخوذ من شرح الطحاوية لابن أبي العز ٢ / ٧٥٢ و ٧٥٣ ـ ٧٥٤ بتصرّف يسير.
(٣) الزخرف : ٥١.