____________________________________
البيت ، بل حكموا بموجب ظنهم فيه أنه منه فأوجبوا الطواف من ورائه.
ثم اعلم أن المراد بأهل القبلة الذين اتفقوا على ما هو من ضرورات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد وعلم الله بالكليّات والجزئيات ، وما أشبه ذلك من المسائل فمن واظب طول عمره على الطاعات والعبادات مع اعتقاد قدم العالم ، أو نفي الحشر ، أو نفي علمه سبحانه بالجزئيات لا يكون من أهل القبلة ، وإن المراد بعدم تكفير أحد من أهل القبلة عند أهل السّنّة أنه لا يكفر ما لم يوجد شيء من أمارات الكفر وعلاماته ولم يصدر عنه شيء من موجباته ، فإذا عرفت من ذلك فاعلم أن أهل القبلة المتفقون على ما ذكرنا من أصول العقيدة اختلفوا في أصول أخر كمسألة الصفات وخلق الأعمال ، وعموم الإرادة وقدم الكلام وجواز الرؤية ونحو ذلك مما لا نزاع في أن الحق فيها واحد واختلفوا أيضا هل يكفّر المخالف للحق بذلك الاعتقاد والقول به على وجه الاعتماد أم لا فذهب الأشعري ، وأكثر أصحابه إلى أنه ليس بكافر وبه يشعر ما قاله الشافعي رحمهالله لا أردّ شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية (١) لاستحلالهم الكذب.
وفي المنتفى عن أبي حنيفة رحمهالله لم نكفّر أحدا من أهل القبلة وعليه أكثر الفقهاء ومن أصحابنا من قال بكفر المخالفين. وقال قدماء المعتزلة : يكفّر القائل بالصفات القديمة وبخلق الأعمال ، وقال الأستاذ أبو إسحاق : نكفّر من يكفّرنا ومن لا فلا ، واختار الرازي أن لا يكفّر أحد من أهل القبلة ، وقد أجيب عن الإشكال بأن عدم التكفير مذهب المتكلمين ، والتكفير مذهب الفقهاء فلا يتّحد القائل بالنقيضين ، فلا محذور ، ولو سلّم فيجوز أن يكون الثاني للتغليظ في ردّ ما ذهب إليه المخالفون ، والأول لاحترام شأن أهل القبلة فإنهم في الجملة معنا موافقون.
ومنها : بحث التوبة اعلم أولا أن قبول التوبة وهو إسقاط عقوبة الذنب عن التائب غير واجب على الله تعالى عقلا ، بل كان ذلك منه فضلا خلافا للمعتزلة ، فأما وقوع قبولها شرعا فقيل : هو مرجو غير مقطوع به ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) (٢). علقه بالمشيئة ، ولذا حسن من الله تعالى ومن رسوله تأخير قبول توبة
__________________
(١) الخطابية نسبة إلى أبو الخطاب الأسدي وهو محمد بن أبي زينب ويكنّى أيضا أبا إسماعيل. ظل على ضلاله ومخرقته حتى قتله عيسى بن موسى والي الكوفة من قبل العباسيين وكان ذلك في سنة ١٤٣ ه. انظر الملل والنّحل ١ / ١٧٩ ـ ١٨٠ ، والفرق بين الفرق ص ١٨٨.
(٢) التوبة : ١٥.