وكان الله تعالى خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق. والله تعالى يرى في الآخرة
____________________________________
ظهوره على يد المتنبي يوجب انسداد باب معرفة النبي فأما ظهوره على يد المتألّه فلا يوجب انسداد باب معرفة الإله لأن كل عاقل يعرف أن المدّعي المشتمل على دلالات الحدوث وسمات القصور لا يكون إلها ، وإن رأى منه ألف خارق للعادة ، ثم الناقض للعادة كما يكون فعلا غير معتاد يكون تعجيزا عن الفعل المعتاد كمنع زكريا عليه الصلاة والسلام ، إذ المنع عن المعتاد نقض العادة أيضا إذا لم يكن عن علة ، ولذا كان سكوته إلا رمزا آية دالّة على تحقّق الولد ويسمى معجزة ، (وكان الله خالقا قبل أن يخلق) أي يحدث المخلوق (ورازقا قبل أن يرزق) أي يوجد المرزوق فهما من قبيل إطلاق المشتق قبل وجود المعنى المشتق منه.
ولعل الإمام الأعظم رحمهالله كرّر هذا المرام للأنام للإعلام بأن هذا هو المعتقد الصحيح الذي يجب أن يعتمده الخواص والعوام.
وقال الزركشي (١) : إطلاق نحو الخالق والرازق في وصفه سبحانه قبل وجود الخلق والرزق حقيقة ، وإن قلنا صفات الفعل حادثة ، وأيضا لو كان مجازا لصحّ نفيه ، والحال أن القول بأنه ليس خالقا ورازقا وقادرا في الأزل أمر مستهجن لا يقال مثله ولا يصحّ دفعه بأنه لا يقال. أوجد المخلوق في الأزل حقيقة ، لأنه يؤدي إلى قدم المخلوق فإن الفرق بينهما بين بل قوله : أوجد المخلوق إلى آخره بنفسه دليل بيّن حيث يشير إلى حدوثه إلا أنه غير واقع في محله (والله تعالى يرى) بصيغة المجهول أي ينظر إليه بعين البصر (في الآخرة) أي يوم القيامة لقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (ناضرة) أي حسنة منعمة بهية مشرقة متهلّلة (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢). أي تراه عيانا بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة ومن يرى ربه لا يلتفت إلى غيره ولقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ) أي الكفّار (عَنْ رَبِّهِمْ) أي عن رؤية ربهم فلا يرونه أو عن رحمة ربهم وكرامة ربهم (يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (٣). أي لممنوعون أي بخلاف الأبرار والمؤمنين فإنهم في نظر ربهم مقرّبون ولقوله صلىاللهعليهوسلم كما في الصحيحين وغيرهما : «إنكم سترون ربكم [كما] (٤) ترون القمر ليلة
__________________
(١) هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي بدر الدين المصري الشافعي المتوفى سنة ٧٩٤ ه. له من الكتب أعلام الساجد بأحكام المساجد ، والبرهان في علوم القرآن وغيرها.
(٢) القيامة : ٢٣.
(٣) المطفّفين : ١٥.
(٤) سقطت [كما] من الأصل واستدركناها من مصادر التخريج.