والبعث بعد الموت
____________________________________
الله من غير نزاع ، (والبعث) أي الحياة (بعد الموت) قيد يفيد أن المراد به الإعادة بعد فناء هيئة البداية لا بعث الأنبياء إلى الخلق ، وإن كان مما يجب الإيمان به أيضا ودليله قوله سبحانه وتعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (١). وقوله سبحانه : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٢). إلى غير ذلك من النصوص القاطعة والأدلة اللامعة ، قال في المقاصد (٣).
وبالجملة ، فالإيمان بالحشر من ضروريات الدين ، وإنكاره كفر باليقين ، فإن قيل : هذا قول بالتناسخ ، وهو انتقال الروح من بدن إلى بدن ، فإن البدن الثاني ليس هو الأول لما ورد في الحديث أن أهل الجنة جرد مرد (٤) ، وأن الجهنمي ضرسه مثل أحد (٥) ، ولأجل هذا المعنى وهو أن القول بالمعاد وحشر الأجساد قول بالتناسخ ، قال جلال الدين الرومي رحمهالله : ما من مذهب إلا وللتناسخ فيه قدم راسخ؟ فالجواب أنه إنما يلزم التناسخ لو لم يكن البدن الثاني مخلوقا من الأجزاء الأصلية للبدن الأول وإن سمي مثل ذلك تناسخا كان نزاعا في مجرد الاسم ، وتحقيق الرسم على أن التناسخ عند أهله هو رد الأرواح إلى الأشباح في الدنيا لا في الأخرى ، فإنهم ينكرون الجنة والنار وسائر أمور العقبى ، ولذا كفروا [لقوله] (٦) تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٧). يفيد أن يكون المثاب والمعاقب باللّذّات الحسيّة والآلام الجسمية غير من عمل الطاعة وارتكب المعصية لأنّا نقول العبرة في ذلك بالإدراك ، وإنما هي الروح ولو بواسطة
__________________
(١) المؤمنون : ١٦.
(٢) يس : ٧٩.
(٣) هو المقاصد في علم الكلام للعلّامة سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني وله عليه شرح جامع.
توفي سنة ٧٩١ ه.
(٤) يشير المصنّف إلى الحديث الذي رواه الترمذي ٥٢٤٨ من حديث معاذ بن جبل بلفظ : «يدخل أهل الجنة جردا مردا مكحلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة» ، وهو حسن بشاهده الذي أخرجه الترمذي أيضا ٢٥٤٢ من حديث أبي هريرة بلفظ : «أهل الجنة جرد مرد كحلى ، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم».
(٥) يشير المصنّف إلى الحديث الصحيح الذي رواه مسلم ٢٨٥١ والترمذي ٢٥٧٩ وابن حبان ٧٤٨٧ و ٧٤٨٨ والبيهقي في البعث ٥٦٥ من حديث أبي هريرة ولفظه : «ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث».
(٦) تصحّفت في الأصل لا يقال قوله والصواب لقوله كما أثبتناه.
(٧) النساء : ٥٦.