ولم يجبر أحدا من خلقه على الكفر ولا على الإيمان ولا خلقهم مؤمنا ولا كافرا ، ولكن خلقهم أشخاصا والإيمان والكفر فعل العباد ويعلم الله تعالى من يكفر في حال كفره كافرا فإذا آمن بعد ذلك علمه في مؤمنا حال إيمانه من غير أن يتغيّر علمه وصفته ...
____________________________________
الخطاب والجواب كان للأرواح والأجساد كما يبعثون بهما في المعاد (ولم يجبر) بضم الياء وكسر الباء أي لم يقهر الله (أحدا من خلقه على الكفر ولا على الإيمان).
وفي نسخة ولا على الإيمان ، والمعنى أن الله تعالى لا يخلق الطاعة والمعصية في قلب العبد بطريق الجبر والغلبة بل بخلقهما في قلبه مقرونا باختيار العبد وكسبه فإن المكره على عمل هو الذي عمل ذلك العمل يكرهه في الأصل ، وكان المختار عنده أن لا يعلمه فإنه عنده كالذليل كالمؤمن إذا أكره على إجراء كلمة الكفر فأجراها بظاهر البيان وقلبه مطمئن بالإيمان وكالمنافق حيث يجري الإيمان على اللسان وقلبه مشحون بالكفر ، فليس الكافر في كفره معذورا ولا المؤمن في إيمانه مجبورا ، بل الإيمان محبوب للمؤمنين ، كما أن الكفر مطلوب للكافرين ، وهذا معنى قوله تعالى : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (١) غاية الأمر أن الله تعالى بفضله حبّب إلينا الإيمان وزيّن في قلوبنا الإحسان وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله وبعدله ترك هداية أهل الكفر ، والكفران وحبّب إليهم العصيان وكرّه لديهم الإيمان فسبحانه سبحانه يضلّ الله من يشاء ويهدي من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضلّ وهذا من أسرار القضاء والقدر بحكم الأزل لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.
(ولا خلقهم مؤمنا ولا كافرا) أي بالجبر والإكراه (ولكن خلقهم أشخاصا) أي قابلة لقبول الإيمان إخلاصا ولاختيار الكفر على توهم كونه لهم خلاصا (والإيمان والكفر فعل العباد) أي بحسب اختيارهم لا على وجه اضطرارهم وسبحان من أقام العباد فيما أراد (ويعلم الله تعالى من يكفر في حال كفره كافرا) أي وأبغضه كما في نسخة (فإذا آمن بعد ذلك) أي ارتكاب كفره (علمه مؤمنا في حال إيمانه) أي وأحبه كما في نسخة (من غاير أن يتغيّر علمه) أي بتغير كفر عبده وإيمانه (وصفته) أي ومن غير أن يتغيّر نعته الأزلي من الغضب والرضا المتعلقين بالكفر والإيمان ، وإنما التغيّر في متعلقهما باختلاف الزمان ، بل وقد علم بإيمان بعض وكفر آخرين قبل وجودهم في عالم شهودهم إلا أنه سبحانه من
__________________
(١) المؤمنون : ٥٣ ، والروم : ٣٢.