والقدر خيره وشره من الله تعالى
____________________________________
الآلات وهو باق بعينه ، وكذا الأجزاء الأصلية من البدن ، ولذا يقال لمن رؤي حال سنّ الصبا في الشيخوخة أنه هو بعينه ، وإن بدّلت الصور والهيئات ، بل كثير من الأعضاء والآلات ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب أنه عقوبة لغير الجاني فكبر ضرس الكافر بمنزلة ورم أعضائه.
وفي شرح المواقف (١) الأجزاء الأصلية هي الأجزاء الباقية من أول العمر إلى آخره. قال بعض الأفاضل : الأجزاء الأصلية هي الأجزاء الحاصلة في أول الفطرة وهي وقت تعلّق الأرواح بالأشباح ، وربما ذكرنا من اعتبار الأجزاء الأصلية في الحشر سقط ما قالوا في نفي الحشر بمعنى جمع الأجزاء أيضا على أن الحشر أولا لا يكون إلا بجمع الأجزاء من أول العمر إلى آخره ، وتحقيقا لمعنى الإعادة كما ورد أنه سبحانه وتعالى يعيد القلفة والأجزاء المقطعة من الظفر والشعر والأجزاء المقلعة من السن وأمثال ذلك.
ثم إنه سبحانه وتعالى يبقي ما أراده ، ويعدم ما أراده على ما تعلّقت به المشيئة في الكمية والكيفية والهيئة ، ثم اعلم أنه سبحانه وتعالى كما يحيي العقلاء يحيي المجانين والصبيان والجنّ والشياطين والبهائم والحشرات والطيور للأخبار الواردة في ذلك ، وأما السقط الذي لم تتم أعضاؤه هل يحشر؟ فروي عن أبي حنيفة رحمهالله أنه إذا نفخ فيه الروح يحشر ، وإلا فلا ، وهو الظاهر لأن المذهب المختار عند الأبرار هو الحشر. المركّب من الروح والجسد.
وقول القونوي : والذي يقتضي مذهب علمائنا أنه إذا كان استبان بعض خلقه يحشر ، وهو قول الشعبي وابن سيرين مدفوع بأن هذا الحكم حكم فقهي يترتب عليه بعض الأمور الدنيوية ، ولا تقاس عليه الأحوال الأخروية ، (والقدر) أي وبالقضاء والقدر (خيره وشره) أي نفعه وضرّه ، وحلوه ومرّه حال كونه (من الله تعالى) فلا تغيير للتقدير فيجب الرضاء بالقضاء والقدر وهو تعيين كل مخلوق بمرتبته التي توجد من حسن وقبح ونفع وضرّ ، وما يحيط به من مكان وزمان وما يترتب عليه من ثواب أو عقاب.
ولعل الإمام الأعظم رحمهالله عدل عن الإيمان الإجمالي المشتمل عليه كلمنا
__________________
(١) المواقف في علم الكلام للعلّامة عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي المتوفى سنة ٧٥٦ ه.
له عدّة شروح أهمها شرح السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني المتوفى سنة ٨١٦ ه. انظر كشف الظنون ٢ / ١٨٩١.