فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل ...
____________________________________
شبهتهم على أن تعلق وجود العالم بخطاب «كن» عند الأشعري ، فكان تكوينا وهو أزلي فيكون مناقضا. (فالتخليق والترزيق) ، وهو خلق الأشياء ورزق الأشياء. (والإنشاء) ، أي الإبداء. (والإبداع) أي اختراع الأشياء. (والصنع) أي إظهاره بإظهار المصنوعات في حال الابتداء. (وغير ذلك من صفات الفعل) ، كالإحياء والإفناء والإثبات والإنماء وتصوير الأشياء والكل داخل تحت صفة التكوين.
فالصفات الأزلية عندنا ثمانية لا كما زعم الأشعري من أن الصفات الفعلية إضافات ، ولا كما تفرّد به بعض علماء ما وراء النهر بكون كلّ من الصفات الفعلية صفة حقيقية أزلية فإن فيه تكثير القدماء جدّا ، وإن لم تكن متغايرة فالأولى أن يقال : إن مرجع الكل إلى التكوين فإنه إن تعلق بالحياة يسمى إحياء ، وبالموت إماتة وبالصورة تصويرا إلى غير ذلك ، فالكل تكوين ، وإنما الخصوص بخصوصيات المتعلقات.
ثم المتبادر أن معنى التخليق والإنشاء والفعل والصنع واحد ، وهو إحداث الشيء بعد أن لم يكن سواء كان على نهج مثال سابق أو لا ...
والصحيح أن لها معان متقاربة فإن الإبداع إحداث الشيء بعد أن لم يكن لا على مثال سبق بخلاف التخليق فإنه أعمّ منه ، أو مقابله في التحقيق والإنشاء يختصّ بأول الأشياء والفعل كناية عن كل عمل متعدّ يكون في الخير والشرّ والصّنع عمل فيه إحكام وحسن نظام ، كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (١). وأما الترزيق فهو إحداث رزق الشيء وجعله قوتا له.
ثم اعلم أنه لا موجود في عالم الملك والأشباح ولا في عالم الملكوت والأرواح إلا وهو حادث أحدثه الله تعالى بتخليقه وفعله وإنشائه وصنعه ، وأنه تعالى خلق الإنس والجن وخلق أرزاقهما كما قال الله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ) (٢). لما أحب أن يظهر قدرته ورحمته ونعمته وحكمته ويبيّن للخلق معرفته كما قال الله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣). أي ليعرفون ولعل تخصيصهما بالذكر لأنهم باعتبار جنسهم يعرفون الله تعالى بصفتي الجلال والجمال ، وفي الحديث القدسي والكلام
__________________
(١) النمل : ٨٨.
(٢) الروم : ٤٠.
(٣) الذاريات : ٣٦.