لا يشبه شيئا من الأشياء من خلقه ...
____________________________________
إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١). ببرهان التمانع وتقريره : إنه لو أمكن إلهان لأمكن بينهما تمانع بأن يريد أحدهما سكون زيد والآخر حركته ، لأن كلّا منهما في نفسه أمر ممكن ، وكذا تعلّق الإرادة بكلّ منهما ممكن في نفسه أيضا إذ لا تضاد بين الإرادتين ، بل بين المرادين فحينئذ إما أن يحصل الأمران فيجتمع الضدّان أولا فيلزم عجز أحدهما وهو إمارة الحدوث والإمكان لما فيه من شائبة الاحتياج فالتعدّد مستلزم لإمكان التمانع المستلزم للمحال فيكون محالا ، وهذا تفصيل ما يقال إن أحدهما إن لم يقدر على مخالفة الآخر لزم عجزه ، وإن قدر لزم عجز الآخر ، وبما ذكرنا يندفع ما يقال إنه يجوز أن يتفقا من غير تمانع ، وأما قول العلّامة التفتازاني الآية حجة إقناعية أي يظن في أول الأمر إنها حجة ويزول ذلك عند تحقّق المعرفة والملازمة عادية على ما هو اللائق بالخطابيات ، فإن العادة جارية بوجود التمانع والتغالب عند تعدّد الحاكم على ما يشير إليه قوله تعالى : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) (٢). فالمحقّقون كالغزالي وابن الهمام والبيضاوي (٣) ما قنعوا بالإقناعية وجعلوها من الحقائق القطعية ، بل قيل : يكفر قائلها والمسألة مستوفاة في الكتب الكلامية ، ثم اعلم أن لو في هذه الآية ليست لانتفاء الثاني في الماضي بسبب انتفاء الأول ، كما هو أصل اللغة بل للاستدلال بانتفاء الجزاء على انتفاء الشرط من غير دلالة على تعيّن زمان فإنه قد يستعمل بهذا المعنى في بعض المبنى (لا يشبه شيئا من الأشياء من خلقه) أي من مخلوقاته وهذا لأنه تعالى واجب الوجود لذاته وما سواه ممكن الوجود في حدّ ذاته فواجب الوجود هو الصمد الغني الذي لا يفتقر إلى شيء ، ويحتاج كل ممكن إليه في إيجاده وإمداده.
قال الله تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٤). فإذا وجوده عين ذاته وصفاته ليست عين ذاته خلافا للفلاسفة ولا غير ذاته كما تقوله المعتزلة ولا حادثة كما تقوله الكرامية بخلاف المخلوقين ، فإن صفاتهم غير ذاتهم عند الكل والحاصل أن الفلاسفة
__________________
(١) الأنبياء : ٢٢.
(٢) المؤمنون : ٩١.
(٣) هو عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي الإمام ناصر الدين أبو سعيد القاضي البيضاوي الفقيه الأصولي المفسّر الشافعي ، توفي سنة ٦٨٥ ه. أهم مصنفاته : «أسرار التأويل في تفسير القرآن ومنهاج الوصول إلى علم الأصول وغيرها.
(٤) محمد : ٢٢.