ولفظنا بالقرآن مخلوق وكتابتنا له مخلوقة وقراءتنا له مخلوقة والقرآن غير مخلوق.
____________________________________
اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (١). أي محدث في الإنزال ، وإلا فكلامه النفسي منزّه عن الانتقال (ولفظنا بالقرآن مخلوق وكتابتنا وقراءتنا له مخلوق) ، وهذا كالتأكيد لقوله : لفظنا ولا يبعد أن يراد بالقراءة تصوّر مبانيه وتقرّر معانيه من غير التلفّظ بها فيه ، ولعله لهذا المعنى لم يقل وحفظنا له مخلوق وذلك لأنها كلها من أفعالنا وفعل المخلوق مخلوق ، (والقرآن) أي كلامه النفسي ونعته القدسي (غير مخلوق) أي ولا حال في المصاحف ولا غيرها وذلك أن كل من يأمر وينهى ويخبر عن ما مضى يجد في نفسه معنى يدل عليه بالعبارة ، أو يشير إليه بالكتابة ، أو الإشارة.
ثم اعلم أن مذهب الأشعري أنه يجوز أن يسمع الكلام النفسي أي بطريق خرق العادة كما نبّه عليه الباقلاني ، ومنعه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني وهو اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي فمعنى قوله تعالى : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (٢). يسمع ما يدل عليه ، فموسى عليه الصلاة والسلام سمع صوتا دالّا على كلامه سبحانه ، لكن لما كان بلا واسطة الكتابة والملك بل على طريق خرق العادة خصّ باسم الكليم كما يدل عليه قوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) (٣). وسيأتي زيادة تحقيق لهذا المرام في كلام الإمام ، وقد قال الإمام الأعظم في كتابه الوصية نقرّ بأن القرآن كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله وصفته لا هو ولا غيره ، بل هو صفته على التحقيق مكتوب في المصاحف مقروء بالألسن محفوظ في الصدور غير حالّ فيها ، والحروف والحركات والكاغد (٤) والكتابة كلها مخلوقة ، لأنها أفعال العباد وكلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق ، لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات كلها آلة القرآن لحاجة العباد إليها وكلام الله تعالى قائم بذاته ومعناه مفهوم بهذه الأشياء فمن قال بأن كلام الله تعالى مخلوق ، فهو كافر بالله العظيم والله تعالى معبود ولا يزال عما كان وكلامه مقروء ومكتوب ومحفوظ من غير مزايلة عنه. انتهى.
وقال فخر الإسلام : قد صحّ عن أبي يوسف أنه قال : ناظرت أبا حنيفة في مسألة خلق القرآن فاتفق رأيي ورأيه على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر ، وصحّ هذا القول
__________________
(١) الأنبياء : ٢.
(٢) التوبة : ٦.
(٣) القصص : ٣٠.
(٤) قال في القاموس : الكاغذ : القرطاس ، معرّب.