____________________________________
أيضا عن محمد رحمهالله ، وقد ذكر المشايخ رحمهمالله أنه يقال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ولا يقال القرآن غير مخلوق لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف من الأصوات والحروف قديم كما ذهب إليه بعض جهلة الحنابلة ، وأما ما في شرح العقائد من أنه عليهالسلام قال : «القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ، ومن قال : إنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم» (١) ، فهو لا أصل له كما بيّنت في تخريج أحاديثه ، ثم تحقيق الخلاف بيننا وبين المعتزلة يرجع إلى إثبات الكلام النفسي ونفيه ، وإلا فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف ، وهم لا يقولون بحدوث الكلام النفسي ، ودليلنا ما مرّ أنه ثبت بالإجماع وتواتر النقل عن الأنبياء عليهمالسلام أنه متكلم ولا معنى له سوى أنه متّصف بالكلام ، ويمتنع قيام اللفظ الحادث بذاته الكريم فتعيّن النفسي القديم ، وأما استدلالهم بأن القرآن متّصف بما هو من صفات المخلوق ، وسمات الحدوث من التأليف والتنظيم والنزول والتنزيل وكونه عربيّا مسموعا فصيحا معجزا إلى غير ذلك ، فإنما يقوم حجة على الحنابلة لا علينا لأنّا قائلون بحدوث النظم أيضا ، وإنما الكلام في معنى القديم والمعتزلة لمّا لم يمكنهم إنكار كونه متكلّما ذهبوا إلى أنه متكلّم بمعنى موجد الأصوات والحروف في محالها وأشكال الكتابة في اللوح المحفوظ ، وإن لم يقرأ على اختلاف بينهم وأنت خبير بأن المتحرك من قامت به الحركة لا من أوجدها ، وأما إذا كان في الآية قراءتان فإن كان لكل قراءة معنى غير الأخرى فالله تعالى تكلم بهما جميعا ، وصارت القراءتان بمنزلة الآيتين. وإن كانت القراءتان معناهما واحد فالله تعالى تكلم بأحدهما ورخّص بأن يقرأ بهما جميعا كما ذكره الفقيه أبو الليث.
فاعلم أن الصحابة والتابعين وغيرهم من المجتهدين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين قد أجمعوا على أن كل صفة من صفات الله تعالى لا هو ولا غيره كذا ذكره الشارح والمعنى أنها لا هو بحسب المفهوم الذّهني ولا غيره بحسب الوجود الخارجي فإن مفهوم الصفات غير مفهوم الذات إلا أنها لا تغايرها باعتبار ظهورها في الكائنات.
والحاصل أن كلامه من صفاته وهو قديم بذاته وصفاته والقديمية مستلزمة للبقائية
__________________
(١) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ١ / ٣٧٣ عن أبي الدرداء وقال : وروي ذلك أيضا عن معاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم مرفوعا ولا يصحّ شيء من ذلك أسانيده مظلمة لا ينبغي أن يحتجّ بشيء منها ولا أن يستشهد بشيء منها».
وانظر المقاصد الحسنة للسخاوي ٣٤ وكشف الخفاء رقم ١٨٦٩ للعجلوني.