____________________________________
ومنها : أن النصوص من الكتاب والسّنّة تحمل على ظواهرها ما لم تكن من قبيل المتشابهات فإن فيه خلافا مشهورا بين السّلف والخلف في منع التأويل وجوازه ، وأما العدول عن ظواهرها إلى معان يدّعيها الملاحدة والباطنية فزندقة بخلاف ما ذهب إليه بعض الصوفية رحمهمالله تعالى من أن النصوص على ظواهر العبارات إلا أن فيها بعض الإشارات فهو من كمال الإيمان ، وجمال العرفان كما نقل عن الإمام حجة الإسلام أن في قوله عليه الصلاة والسلام : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب» (١). إشارة إلى أن رحمة الله لا تدخل قلبا ارتسخ فيه صفات سبعية (٢).
ومنها : هل يجوز رؤية الله تعالى في الدنيا بعين البصر للأولياء؟ فقد جاءني سؤال واقعة حال فيمن ادّعى ذلك من بعض الأغبياء فكتبت الجواب بحسب ما ظهر لي وجه الصواب وهو إجماع الأئمة من أهل السّنّة والجماعة على أن رؤيته تعالى بعين البصر جائزة في الدنيا والآخرة عقلا وواقعة وثابتة في العقبى سمعا ونقلا. واختلفوا في جوازها في الدنيا شرعا فأثبتها أكثرون ونفاها آخرون ، ثم الذين أثبتوها في الدنيا خصّوا وقوعها له صلىاللهعليهوسلم في ليلة الإسراء على خلاف في ذلك بين السّلف والخلف من العلماء والأولياء (٣) ، والصحيح أنه صلىاللهعليهوسلم إنما رأى ربه بفؤاده لا بعينه (٤) كما في شرح العقائد وغيره ، فالقائل بأني أرى الله في الدنيا بعين بصرية إن أراد به رؤيته في المنام ففي جوازه خلاف مشهور بين علماء الأنام مع أن الرؤية المنامية لا تكون بالحاسّة البصرية ، بل بالتصوّرات المثالية أو التمثّلات الخيالية ، وإن أراد بها حال اليقظة فإن قصد به حذف
__________________
(١) أخرجه البخاري ٣٢٢٥ و ٣٣٢٢ ، ومسلم ٢١٠٦ ح ٨٣ و ٨٤ ، والترمذي ٢٨٠٤ ، والنسائي ٧ / ١٨٥ ـ ١٨٦ و ٨ / ٢١٢ ، وابن ماجة ٣٦٤٩ ، والبيهقي ١ / ٢٥١ و ٧ / ٢٦٨ ، والطحاوي في معاني الآثار ٤ / ٢٨٢ ، وابن حبان ٥٨٥٥ ، والبغوي ٢ / ٣٢ ، وأبو يعلى ١٤٣٠ كلهم من حديث أبي طلحة الأنصاري.
(٢) انظر إحياء علوم الدين : ١ / ٤٩. والحديث واضح ولا حاجة لهذا التأويل الذي لا يحتمله النص فلم يؤثر عن النبي صلىاللهعليهوسلم ولا أصحابه ولا التابعين ولا الأئمة المجتهدين مثل هذا التأويل فليسعنا ما وسع هؤلاء الأخيار في فهمهم للنصوص على ظاهرها.
(٣) الصحيح الذي عليه العلماء أنه صلىاللهعليهوسلم لم ير ربه ليلة الإسراء فقد أخرج الإمام مسلم ١٧٨ و ٢٩١ و ٢٩٢ عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك؟ فقال : «نور أنى أراه» أي حال بيني وبين رؤيته النور كما قال في لفظ آخر : «رأيت نورا». انظر زاد المعاد لابن القيّم ٣ / ٣٦ و ٣٧.
(٤) من القائلين بذلك ابن عباس رضي الله عنه فيما أخرج عنه مسلم ١٧٦ و ٢٨٤ و ١٨٥ ، والترمذي ٣٢٧٥ و ٣٢٧٦ و ٣٢٧٧. انظر زاد المعاد ٣ / ٣٦.