والإيمان هو الإقرار والتصديق ....
____________________________________
الذي هو محل البصر.
قال الحسن البصري : نظرت أيّ الوجوه إلى ربّها فنظرت بنوره ولا يلزم من الرؤية الإدراك والإحاطة فلا ينافي قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (١) فإن الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية كما قال الله تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا) (٢). فلم ينف موسى الرؤية وإنما نفى الإدراك فالربّ تعالى يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به علما ، بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي من حقيقة ذاتها ، وقد تواترت أحاديث إثبات الرؤية تواترا معنويا ، فيجب قبولها نقلا ولا يلتفت إلى ما يتوهمه أهل البدعة عقلا ، ولقد أخطأ شارح عقيدة الطحاوي في هذه المسألة حيث قال : فهل يعقل رؤية بلا مقابلة ، وفيه دليل على علوّه على خلقه (٣). انتهى.
وكأنه قائل بالجهة العلوية لربّه ومذهب أهل السّنّة والجماعة أنه سبحانه لا يرى في جهة ، وقوله عليه الصلاة والسلام : «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» (٤). تشبيه للرؤية بالرؤية في الجملة لا تشبيه المرئي بالمرئي من جميع الوجوه (والإيمان هو الإقرار) أي بلسانه بالتحقيق (والتصديق) أي بالجنان وفق التوفيق وتقديم الإقرار للإشعار بأنه الأول في مقام الإظهار ، وإن كان الثاني هو المبدوء به في حال الاعتبار ، ولأن الشارع اكتفى بمجرد الإقرار ، ولم يفرّق في الحكم بين المرافق والمنافق وبين الأبرار والفجار.
وقال الإمام الأعظم في كتابه الوصية : الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان
__________________
(١) الأنعام : ١٠٣.
(٢) الشعراء : ٦١.
(٣) هذا هو تمام كلام شارح الطحاوية : «وليس تشبيه رؤية الله تعالى هو تشبيه الرؤية بالرؤية ، لا تشبيه المرئي بالمرئي ، ولكن فيه دليل على علوّ الله على خلقه وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة! ومن قال يرى لا في جهة فليراجع عقله!! فإما أن يكون مكابرا لعقله أو في عقله شيء ، وإلا فإذا قال : يرى لا أمام الرائي ، ولا خلفه ، ولا عن يمينه ، ولا عن يساره ، ولا فوقه ، ولا تحته ، ردّ عليه كل من يسمعه بفطرته السليمة.
ولهذا ألزم المعتزلة من نفي العلو بالذات بنفي الرؤية ، وقالوا كيف تعقل رؤية بغير جهة». ا. ه.
شرح الطحاوية ١ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.
تأمل هذا الكلام فإن الحق فيه.
(٤) تقدم تخريجه فيما سبق.