____________________________________
والإقرار وحده لا يكون إيمانا ، لأنه لو كان إيمانا لكان المنافقون كلهم مؤمنين ، وكذلك المعرفة وحدها أي مجرد التصديق لا يكون إيمانا لأنها لو كانت إيمانا لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين قال الله تعالى في حق المنافقين : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١). أي في دعواهم الإيمان حيث لا تصديق لهم وقال الله تعالى في حق أهل الكتاب : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) (٢) انتهى.
والمعنى أن مجرد معرفة أهل الكتاب بالله ورسوله لا ينفعهم حيث ما أقرّوا بنبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ورسالته إليهم وإلى الخلق كافّة فإنهم كانوا يزعمون أنه صلىاللهعليهوسلم مبعوث إلى العرب خاصة فإقرارهم بهذا الطريق لا يكون خالصا ثم التصديق ركن حسن لعينه لا يحتمل السقوط في حال من الأحوال بخلاف الإقرار فإنه شرط أو شطر وركن حسن لغيره ، ولهذا يسقط في حال الإكراه ، وحصول الأعذار ، وهذا لأن اللسان ترجمان الجنان ، فيكون دليل التصديق وجودا وعدما فإذا بدّله بغيره في وقت يكون متمكّنا من إظهاره كان كافرا ، وأما إذا زال تمكّنه من الإظهار بالإكراه لم يصر كافرا لأن سبب الخوف على نفسه دليل ظاهر على بقاء التصديق في قلبه ، وأن الحامل له على هذا التبديل حاجته إلى دفع المهلكة عن نفسه لا تبديل الاعتقاد في حقه ، كما أشار إليه قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣).
فأما تبديله في وقت تمكّنه دليل على تبديل اعتقاده ، فكان ركن الإيمان وجودا وعدما كما صرّح به شمس الأئمة السرخسي ، إلا أن صاحب العمدة وهو أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (٤) رحمهالله صرّح بأن الإقرار شرط إجراء الأحكام ، وهو مختار الأشاعرة ، وعليه أبو منصور الماتريدي ، ثم في حذف المؤمن به في كلام الإمام الأعظم إشعار بأن الإيمان الإجمالي كاف في مقام المرام فالتحقيق أن
__________________
(١) المنافقون : ١.
(٢) الأنعام : ٢٠.
(٣) النحل : ١٠٦.
(٤) هو عبد الله بن أحمد بن محمود أبو البركات حافظ الدين النسفي نسبة إلى نسف من وراء النهر من بلاد السند ، وله تصانيف معتبرة منها : (الوافي وشرحه الكافي ، وكنز الدقائق ، والعمدة ، ومدارك التنزيل في التفسير) وغيرها. توفي سنة ٧٠١ ه. انظر الفوائد البهية ، ص ١٠١ ـ ١٠٢.