____________________________________
فصل في الكفر صريحا وكناية
وفي المحيط رجل قال : أنا مؤمن إن شاء الله من غير تأويل كفر ، أي لأنه تردّد في إيمانه عند نفسه بخلاف ما إذا أراد أنا مؤمن إن تعلقت مشيئته بتحقيق إيماني عنده ... ولو قال لا أدري هل أخرج من الدنيا مؤمنا أو لا ، لا يكفر أي لأنه لا يعلم الغيب إلا الله ، فلو قال : إني أدري هل أخرج من الدنيا مؤمنا أو كافرا يكفر أيضا ، وفي الظهيرية قال الإمام الفضلي رحمهالله : لا ينبغي لرجل أن يستثني في إيمانه فلا يقول : أنا مؤمن إن شاء الله لأنه مأمور بتحقيق الإيمان أي وهو بالتصديق والإقرار والاستثناء يضادّه أي يناقضه ظاهرا ، ولأنه مسئول عن الحال فلا وجه للجوب عن الاستقبال ، وهذا معنى قوله : قال الله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) (١). من غير استثناء ، وقال الله تعالى خبرا عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : بلى من غير استثناء حين قال : أو لم تؤمن؟.
وقد ذكر الشيخ عبد الله السندي في كتاب الكشف في مناقب أبي حنيفة رحمهالله تعالى عن موسى بن أبي بكر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أخرج شاة لتذبح فمرّ رجل فقال له : أمؤمن أنت؟ فقال : نعم إن شاء الله ، فقال ابن عمر رضي الله عنه : لا يذبح نسكي من شك في إيمانه ، ثم مرّ آخر فقال له : أمؤمن أنت؟ فقال : نعم ولم يستثن في إيمانه فأمره بذبح شاته ، فلم يجعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من يستثني في إيمانه مؤمنا انتهى. ولا يخفى أنه يحتمل أن ابن عمر راعى الأحوط في القضية إذا أجمع السلف والخلف على أنه لا يخرج من الإيمان باستثنائه إلا إذا كان متردّدا في تصديقه وإيمانه كما يدل عليه قوله ، وفي المحيط قد صحّ عن بعض السّلف أنهم كانوا يستثنون في إيمانهم والعذر عنهم أنهم ما كانوا يستثنون لشكّهم في إيمانهم ، بل يستثنون لما جاء في صفة المؤمن في الأخبار كقوله : المؤمن من أمن الناس من شرّه ، وكقوله عليه الصلاة والسلام : «المؤمن من أمن جاره بوائقه» (٢) ، وكقوله : عليه الصلاة والسلام : «ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره طاو» (٣) أي جيعان ، وكقوله عليه الصلاة والسلام : «المؤمن من
__________________
(١) البقرة : ١٣٦.
(٢) رواه بنحوه البزار كما في كشف الأستار ٢٠٣١ من حديث أبي هريرة ولفظه : «لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه ...». وقال الهيثمي في المجمع ٨ / ٧٥ : رواه البزار وفيه محمد بن كثير وهو ضعيف جدّا.
(٣) ذكره ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث ٣ / ١٤٦ ولم أجده مسندا.