____________________________________
ومنها : أن الشياطين لهم تصرّف في بني آدم خلافا للمعتزلة حيث يقولون : لا يمكنهم أن يوسوسوا ، وإنما نفس الإنسان توسوسه وهو مردود بقوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) (١) وقوله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٢). ولمّا صحّ عنه صلىاللهعليهوسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم (٣) ، ثم الحكمة في أنهم يرونا ، ونحن لا نراهم أنهم خلقوا على صورة قبيحة ، فلو رأيناهم لم نقدر على تناول الطعام والشراب فستروا عنّا رحمة علينا في هذا الباب والملائكة خلقوا من النور فلو رأيناهم لطارت أرواحنا لديهم وأعيننا إليهم ، وأما قول القونوي من أن الجن خلقوا من الريح وأصل الريح أن لا يرى ، فكذا ما خلق منه فغير صحيح لقوله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٤).
ومنها : أن ما أخبر الله تعالى من الجور والقصور والأنهار والأشجار والأثمار لأهل الجنة ، ومن الزقوم والحميم والسلاسل والأغلال لأهل النار حق خلافا للباطنية والعدول عن ظواهر النصوص إلى معان يدّعيها أهل الباطن إلحاد ...
ومنها : أن المجتهد في العقليات والشرعيات الأصلية والفرعية قد يخطئ ، وقد يصيب وذهب بعض الأشاعرة والمعتزلة إلى أن كل مجتهد في المسائل الشرعية الفرعية التي لا قاطع فيها مصيب ، والتحقيق أن في المسألة الاجتهادية احتمالات أربعة : الأول أن ليس لله فيها حكم معين قبل الاجتهاد ، بل الحكم فيها ما أدّى إليه رأي المجتهد ، فعلى هذا قد تتعدّد الأحكام الحقّة في حادثة واحدة ، ويكون كل مجتهد مصيبا ، والثاني : أن الحكم معين ولا دليل عليه منه سبحانه ، بل العثور عليه كالعثور على دفينة ، والثالث أن الحكم معين وله دليل قطعي ، والرابع : أن الحكم معين ، وله دليل ظنّي ، وقد ذهب إلى كل احتمال جماعة ، والمختار أن الحكم معين وعليه دليل ظنّي إن وجده المجتهد أصاب ، وإن فقده أخطأ والمجتهد غير مكلّف بإصابته كما ذهب بعضهم ممّن ذهب إلى
__________________
(١) البقرة : ٢٦٨.
(٢) فاطر : ٦.
(٣) أخرجه البخاري ٢٠٣٥ ، ومسلم ٢١٧٥ ح ٢٤ و ٢٥ ، وأبو داود ٢٤٧١ ، وابن ماجة ١٧٧٩ ، والدارمي ٢ / ٧٧ ، والبيهقي ٤ / ٣٢١ و ٣٢٤ ، وأحمد ٦ / ٣٣٧ ، والطحاوي في المشكل ١٠٧ ، والبغوي ٤٢٠٨ ، وابن خزيمة ٣٢٣٤ ، وابن حبان ٣٦٧١ من حديث صفية بنت حييّ رضي الله عنها.
(٤) الحجر : ٢٧.