والقضاء والقدر والمشيئة صفاته في الأزل بلا كيف ...
____________________________________
وقال الإمام الأعظم في كتابه الوصية : نقرّ بأن الله تعالى أمر القلم بأن يكتب وفي نسخة بأن اكتب فقال القلم : ما ذا أكتب يا ربّ؟ فقال الله تعالى : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة (١) ، لقوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٢). انتهى. يعني الحديث مقتبس من القرآن لأنه صلىاللهعليهوسلم كان في معرض التبيان ومجمل الأمر أن القدر وهو ما يقع من العبد المقدّر في الأزل من خيره وشرّه وحلوه ومرّه كائن منه سبحانه وتعالى بخلقه وإرادته ما شاء كان وما لا فلا ، (والقضاء والقدر) المراد بأحدهما الحكم الإجمالي وبالآخر التفصيلي ، وأما قول المعتزلة : لو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب الرضا به ، لأن الرضا بالقضاء واجب ، واللازم باطل ، لأن الرضا بالكفر كفر ، فثبت أن الكفر ليس بقضاء الله ، فلم تكن جميع أفعال العباد بقضاء الله تعالى على ما ذهب إليه أهل السّنّة والجماعة فمدفوع بأن الكفر مقضى لا قضاء ، والرضى إنما يجب بالقضاء دون المقضى ، وتوضيحه : أن الكفر له نسبة إليه سبحانه وهي كونه خلقه على مقتضى حكمته ولا اعتراض عليه في مشيئته فإنه مالك الملك يتصرّف فيه كيف يشاء لا يتضرّر بشيء كما لا ينتفع به ، وله نسبة أخرى إلى المكلف وهي وقوعه صفة له بكسبه واختياره والاعتراض واقع عليه في فعله لأنه أسخط مولاه واستحق العقوبة الدائمة في عقباه.
هذا ومن رضي بكفر نفسه فقد كفر اتفاقا ، ومن رضي بكفر غيره ففيه اختلاف المشايخ ، والأصح أنه لا يكفر بالرضا بكفر الغير إن كان لا يحب الكفر ، ولكن يتمنى أن يسلب الله عنه الإيمان حتى ينتقم منه على ظلمه وإيذائه ، كذا في التاتارخانية (٣) ويؤيده قوله تعالى حكاية عن موسى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٤). (والمشيئة) أي الإرادة المتعلقة بهما (صفاته في الأزل بلا كيف) أي بلا وصف لذلك العمل والمعنى : أن هذه الثلاث المذكورة صفات في الأزل ثابتة بالكتاب والسّنّة إلا أنها متشابهة الصفة مجهولة الكيفية كسائر صفاته العلية حيث
__________________
(١) حديث صحيح تقدّم تخريجه فيما سبق.
(٢) القمر : ٥٢ ـ ٥٣.
(٣) هي الفتاوى المشهورة بالتتارخانية لعالم بن علاء الحنفي المتوفى سنة ٢٨٦ ه ، ويسمى هذا الكتاب أيضا بزاد المسافر في الفروع جمع فيه مسائل الكتب التالية : «المحيط البرهاني» و «الذخيرة» و «الظهيرية» و «الخانية» وغيرها.
(٤) يونس : ٨٨.