ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره وكتابته في اللوح المحفوظ ولكن كتبه بالوصف لا بالحكم ، ...
____________________________________
«فيكون». والمعنى فيحدث الشيء بعد الأمر بقوله : «كن» وهو كلامه النفسي القديم ونعته القدسي الكريم فتحقّق أنه سبحانه خلق الأشياء لا من شيء حادث سبق عليها ، ولا من آلة وعدّة وأهبة حاصلة لديها وهو لا ينافي أنه أوجدها بأمر «كن» فإنه ليس داخلا تحت الشيء في قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١). وكلامه سبحانه لا عينه ولا غيره (٢) ، ثم في تحقّق الأشياء كما هو مشاهد في الأرض والسماء ردّ على السوفسطائية (٣) ومن تبعهم من أهل الأهواء حيث ينكرون حقائق الأشياء ويزعمون أنها أوهام وخيالات كالأحلام ويقرّب منه الوجود [كالإلحادية] (٤) والحلولية وأمثالهم من جهلة الصوفية (ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء) أي موجود حادث في الأحوال جميعها (إلا بمشيئته) أي مقرونا بإرادته (وعلمه وقضائه) أي حكمه وأمره (وقدره) أي بتقديره بقدر قدره (وكتبه) بفتح الكاف وسكون التاء أي (وكتابته في اللوح المحفوظ) أي قبل ظهور أمره وأغرب شارح حيث قال : وكتبه عطف تفسير لقدره. انتهى.
ووجه الغرابة أن ثبوت تقديره وتقريره مقدّم على تحريره وتصويره على أن التقدير صفة المنعوت بالقدم والكتابة حادثة بعد إحداث القلم (ولكن كتبه بالوصف لا بالحكم) أي كتب الله في حق كل شيء بأنه سيكون كذا وكذا لم يكتب بأنه ليكن كذا وكذا وتوضيحه أن وقت الكتابة لم تكن الأشياء موجودة فكتب في اللوح المحفوظ على وجه الوصف أنه ستكون الأشياء على وفق القضاء لا على وجه الأمر بأنه ليكن ، لأنه لو قال : ليكن لكانت الأشياء كلها موجودة حينئذ لعدم تصوّر تخلّف المخلوق عن الأمر الإيجادي للخالق
__________________
(١) الرعد : ١٦.
(٢) قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته : «وإن القرآن كلام الله ، منه بدا بلا كيفية قولا ، وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقّا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق كلام البرية». انظر شرح الطحاوية ١ / ١٧٢.
(٣) السوفسطائية : نسبة إلى رجل يسمى سوفسطا وتنقسم إلى ثلاث فرق : الأولى تنكر حقائق الأشياء وتزعم أنها أوهام وتدعى «العنادية». والثانية : تنكر العلم بثبوت الشيء ، وتزعم بأنها تشك وتشك بما تشك وتدعى «اللّاإرادية». والثالثة : تزعم أن الحقائق تابعة للاعتقادات وهي تنكر ثبوتها وتدعى «العندية». انظر تلبيس إبليس ص ٤٩.
(٤) تصحّفت في الأصل إلى الإلحادية والصواب ما أثبتناه بين حاصرتين [].