____________________________________
ثم التحقيق أن للعبد مقامين أحدهما قيامه بظاهر الشريعة ، وثانيهما شروعه في مبدأ المكاشفة وذلك أن يشتغل بمعرفة الله سبحانه وطاعته وشكر نعمته ففي المقام الأول طلب ترك التثاقل وفي المقام الثاني قال : لا تطلب مني حمدا يليق بجلالك ، ولا شكرا يليق بكمالك ، ولا معرفة تليق بحضرتك وعظمتك ، فإن ذلك لا يليق بذكري وشكري وفكري ، ولا طاقة لي بذلك في جوامع أمري ، ولمّا كانت الشريعة مقدّمة على الحقيقة قدّم الجمل السابقة.
ومنها : أن الإيمان مخلوق ، أو غير مخلوق اختلف فيه المشايخ الحنفية ، فذهب أهل سمرقند إلى الأول ، وذهب أهل بخارا إلى الثاني مع اتفاقهم على أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله سبحانه ، وبالغ بعض مشايخ بخارا فكفّروا من قال بأن الإيمان مخلوق ، وألزموا عليه خلق كلام الله تعالى ، ونقلوا عن نوح بن أبي مريم عن أبي حنيفة رحمهالله أن الإيمان غير مخلوق ، لكن نوح عند أهل الحديث غير معتمد وعلّل هؤلاء كون الإيمان غير مخلوق بأن الإيمان أمر حاصل من الله للعبد لأنه قال : بكلامه الذي ليس بمخلوق فاعلم أنه لا إله إلّا الله ، وقال الله تعالى ، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) ، فيكون المتكلم بمجموع ما ذكر قد قام به ما ليس بمخلوق كما أن من قرأ القرآن كلام الله الذي ليس بمخلوق ، وهذا غاية متمسّكهم ، وقد نسبهم مشايخ سمرقند إلى الجهل إذ الإيمان بالوفاق هو التصديق بالجنان ، والإقرار باللسان ، وكلّ منهما فعل من أفعال العباد وأفعال العباد مخلوقة لله تعالى باتفاق أهل السّنّة والجماعة.
قال ابن الهمام : في المسايرة ونص كلام أبي حنيفة رحمهالله صلىاللهعليهوسلم في كتابه التوصية صريح في خلق الإيمان حيث قال : نقرّ بأن العبد مع جميع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق ، فلما كان الفاعل مخلوقا فأولى أن يكون فعله مخلوقا. انتهى.
هذا وقد نقل بعض أهل السّنّة والجماعة أنهم منعوا من إطلاق القول بحلول كلامه سبحانه في لسان ، أو قلب ، أو مصحف ، وإن أريد به اللفظي رعاية للأدب مع الرب لئلا يتوهّم إرادة النفسي القديم ، وقد حكى الأشعري أن ممّن ذهب إلى أن الإيمان مخلوق حادث حارث المحاسبي وجعفر بن حرب وعبد الله بن كلاب ، وعبد العزيز المكّي وغيرهم من أهل النظر ، ثم قال : وذكر عن أحمد بن حنبل وجماعة من أهل الحديث أنهم يقولون : إن الإيمان غير مخلوق.
قال صاحب المسايرة : ومال إليه الأشعري ووجهه بما حاصله أن إطلاق الإيمان في