ولا نكفر مسلما بذنب من الذنوب وإن كانت كبيرة إذا لم يستحلّها ولا نزيل عنه اسم الإيمان ونسمّيه مؤمنا حقيقة ، ويجوز أن يكون مؤمنا فاسقا غير كافر ....
____________________________________
نقل فيما شجر بينهم واختلفوا فيه فمنه ما هو باطل وكذب فلا يلتفت إليه وما كان صحيحا أوّلناه تأويلا حسنا لأن الثناء عليهم من الله سابق ، وما نقل من الكلام اللاحق محتمل للتأويل والمشكوك والموهوم لا يبطل المحقّق والمعلوم.
هذا وقال الشافعي رحمهالله : تلك دماء طهّر الله أيدينا منها فلا نلوّث ألسنتنا بها ... وسئل أحمد عن أمر عليّ وعائشة رضي الله عنه فقال : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لو لا عليّ لم نعرف السيرة في الخوارج (ولا نكفّر) بضم النون وكسر الفاء مخفّفا أو مشدّدا أي لا ننسب إلى الكفر (مسلما بذنب من الذنوب) أي بارتكاب معصية ، (وإن كانت كبيرة) أي كما يكفّر الخوارج مرتكب الكبيرة (إذا لم يستحلّها) أي لكن إذا لم يكن يعتقد حلّها لأن من استحلّ معصية قد ثبتت حرمتها بدليل قطعي فهو كافر (ولا نزيل عنه اسم الإيمان) أي ولا نسقط عن المسلم بسبب ارتكاب كبيرة وصف الإيمان ، كما يقوله المعتزلة حيث ذهبوا إلى أن مرتكب الكبيرة يخرج عن الإيمان ولا يدخل في الكفر فيثبتون المنزلة بين الكفر والإيمان مع اتفاقهم على أن صاحب الكبيرة مخلد في النار ، وأما ما روي عن أبي حنيفة رحمهالله أنه قال لجهم : اخرج عني يا كافر فمحمول على التشبيه ، ثم في بسط الإمام الكلام على نفي تكفير أرباب الآثام من أهل القبلة ولو من أهل البدعة (ونسمّيه) أي مرتكب الكبيرة (مؤمنا حقيقة) أي لا مجازا لأن الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان ، وأما العمل بالأركان فهو من كمال الإيمان وجمال الإحسان عند أهل السّنّة والجماعة وشرط ، أو شطر عند الخوارج والمعتزلة ، فهذا منشأ الخلاف في المسألة (ويجوز أن يكون) أي الشخص (مؤمنا) أي بتصديقه وإقراره (فاسقا) أي بعصيانه وإصراره (غير كافر) أي لثباته في مقام اعتباره.
__________________
ـ وقال ابن حبان : روى أحاديث موضوعة من طريق سليمان بن أبي كريمة ، عن جويبر ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس مرفوعا : «مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحدكم في تركه ، فإن لم يكن في كتاب الله ، فسنّة مني ماضية ، فإن لم يكن سنّة ماضية ، فيما قال أصحابي لكم رحمة». وسليمان بن أبي كريمة ضعيف الحديث ، وجويبر هو ابن سعيد الأزدي متروك ، والضحاك لم يلق ابن عباس ، وروي من حديث عمر وابنه وكلاهما لا يصحّ.