____________________________________
المعتزلة ، فالآية ليست على ظاهرها بالاتفاق فلا تكون تامّة في الدلالة على مطلوبهم ، ولا يخفى أن حمل (كبائر ما تنهون عنه) على الكفر على كلّ من الوجهين المذكورين في غاية البعد إذ البلاغة تقتضي أن تجتنبوا الكفر لو جازته وموافقته لعرف البيان ، فالحق أن مدلول الآية تكفير الصغائر بمجرد الاجتناب عن الكبائر ، وتعليق المغفرة بالمشيئة في آية أخرى مخصوص بما عدا ما اجتنب معه الكبائر. انتهى. ولا يخفى أن هذا مذهب ثالث مخالف للمذهبين المسمى بالملفّق ، فكيف يحكم بكونه الحق على الوجه المطلق ، ثم الأظهر أن الخطاب في الآية للمؤمنين ، وأن الكبائر على معناها المتعارف مما عدا كفر الكافرين كما يشير إليه قوله تعالى : (كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (١) والمعنى : إن تجتنبوا كبائر المنهيّات (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٢) بالطاعات كما يدلّ عليه قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (٣). وسائر الأحاديث الواردة في باب المكفّرات.
ومنها : أن دعاء الأحياء للأموات وصدقتهم عنه نفع لهم في علوّ الحالات خلافا للمعتزلة تمسّكا بأن القضاء لا يتبدل ، وكل نفس مرهونة بما كسبت والمرء مجزي بعمله لا بعمل غيره ، وأجيب بأن عدم تبدّل القضاء بالنسبة إلى الموتى لا ينافي نفع دعاء الأحياء لهم ، فإن ذلك النفع بالدعاء يجوز أن يكون بالقضاء ، وإن توفيق الأحياء للدعاء لهم يجوز أن يكون بكسبهم عملا في الدنيا يستحق به مثل ذلك الجزاء فيكون مجزيّا بعمله في الآخرة ، على أنه قد ورد في الأحاديث الصحيحة من الدعاء للأموات خصوصا في صلاة الجنازة ، وقد توارثه السّلف وأجمع عليه الخلف فلو لم يكن للأموات فيه نفع لكان عبثا ، بل جاء في القرآن آيات كثيرة متضمّنة للدعوات للأموات كقوله سبحانه : (رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (٤). وقوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (٥). وقوله تعالى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) (٦). وعن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه أنه قال : يا رسول الله! إن أم سعد ماتت ، فأيّ الصدقة أفضل؟ قال عليه الصلاة والسلام : «الماء» فحفر بئرا وقال :
__________________
(١) النساء : ٣١.
(٢) النساء : ٣١.
(٣) هود : ١١٤.
(٤) الإسراء : ٢٤.
(٥) نوح : ٢٨.
(٦) الحشر : ١٠.