____________________________________
مقدمه صلىاللهعليهوسلم كان أكمل وأظهر وأشمل وأكثر وأشهر مما كان لموسى وعيسى وغيرهما ، فدعوة موسى مقصورة على بني إسرائيل وهم بالنسبة إلينا كالقطرة إلى البحر ، وما آمن بعيسى إلا شر ذمة قليلون علمنا أنه صلىاللهعليهوسلم أفضل الأنبياء وسيّد الأصفياء ، وسند الأولياء (١).
ثم قال ونبي واحد أفضل من جميع الأولياء. وقد ضلّ أقوام بتفضيل الولي على النبي حيث أمر موسى بالتعلّم من الخضر ، وهو وليّ قلنا : الخضر كان نبيّا وإن لم يكن كما زعم البعض فهو ابتلاء في حق موسى على أن أهل الكتاب يقولون : إن موسى هذا ليس بموسى بن عمران ، إنما هو موسى بن متان ، ومن المحال أن يكون الولي وليّا بإيمانه بالنبي ، ثم يكون النبي دون الولي ولا غضاضة في طلب موسى العلم ، لأن الزيادة في العلم مطلوبة.
ومنها : تفضيل الملائكة فخواصّهم أفضل بعد الأنبياء عليهمالسلام من عموم الأولياء والعلماء رحمهمالله وأفضلهم جبريل عليهالسلام كما في حديث رواه الطبراني : «وعامة الملائكة أفضل من عامّة المؤمنين لكونهم مجرمين ، والملائكة معصومون» (٢) ، وفي المسألة خلاف المعتزلة حيث قالوا : «الملائكة أفضل من الأنبياء ، ووافقهم من الأشاعرة بعض العلماء ، وتوقف جمع في هذه المسألة ومنهم الإمام رحمهالله على ما ذكره في آمالي الفتاوى أنه لم يقطع فيها بجواب ، قلت : فلتكن المسألة ظنيّة لا قطعية ، وهو كذلك بلا شبهة ، فإن قيل : أليس قد كفر إبليس ، وكان من الملائكة بدلالة أن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلا فالجواب : أنه كما قال الله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٣).
وأما هاروت وماروت فالأصح أنهما ملكان لم يصدر عنهما كفر ولا كبيرة وتعذيبهما إنما هو على وجه المعاتبة كما يعاتب الأنبياء عليهمالسلام على السهو والزلّة مع أن المشهور أنهما لمّا عابا على بني آدم صدر عنهم من المعاصي وفق ما جرى به القلم ، وادّعيا أنهما لو ركب فيهما ما ركب في الإنسان من مقتضيات البشرية لم يرتكبا شيئا من الأمور المنهيّة فركب فيهما فخرجا عن ماهيّة الملكية وهيئة العصمة الإلهية.
__________________
(١) السند في اللغة : معتمد الإنسان كما جاء في القاموس ومعتمد الإنسان هو الله ولا يجوز إطلاق هذه العبارة على النبي صلىاللهعليهوسلم لأنها من خصوصيات الله سبحانه وتعالى.
(٢) لم أقف على إسناده وأمارة الوضع ظاهرة عليه ، ولو صحّ لما اختلف المتكلمون في هذا الشأن.
(٣) الكهف : ٥٠.