____________________________________
الاستدلال بالنسبة إلى ما قدّمناه من الأقوال ثم بيانه أنه لمّا كانت أمته عليه الصلاة والسلام خير الأمم كان هو خير الأنبياء ، كما أشار إليه صاحب البردة إلا أنه عكس القضية في محصول الزبدة حيث قال :
لمّا دعا الله داعينا لطاعته |
|
بأكرم الرّسل كنّا أكرم الأمم |
وهذا من جهة المنقول ، وأما من جهة المعقول فكما أفاده العلّامة القونوي في شرح عمدة النسفي من أن الإنسان إما أن يكون ناقصا كالعوامّ من الجهلاء ، أو كاملا غير قادر على التكميل كالأولياء ، أو كاملا مكمّلا كالأنبياء عليهمالسلام ، وهذا الكمال والتكميل في القوّتين النظرية والعملية ورأس الكمالات في القوة النظرية معرفة الله تعالى ، وفي القوّة العملية طاعة الله تعالى ، ومن كانت مرتبته في كمالات هاتين المرتبتين أعلى كانت ولايته أكمل ، ومن كانت درجته في تكميله الغير في هاتين المرتبتين أعلى كانت نبوّته أكمل ، فإذا ثبت هذا.
فنقول : عند مقدم محمد صلىاللهعليهوسلم كانت الشرائع بأسرها مندرسة والحكم بأجمعها منطمسة وآثار الظلم بادية وأعلام الجور باقية والكفر قد طبق الأرض بأكنافها والباطل ملأها بأطرافها فالعرب اتخذوا الأصنام آلهة ووأد البنات شريعة لازمة والسعي في الأرض بالفساد عادة دائمة ، وسفك الدماء طبيعة فاسحة والنهب والإغارة تجارة رابحة والفرس اشتغلوا بعبادة النيران ووطئ الأمهات والروم مثابرون على تخريب البلاد وتعذيب من ظفروا به من العباد ومواظبون على الركض في أطراف الأرض من الطول إلى العرض دينهم عبادة الأصنام ودأبهم ظلم الأنام وجمهور الهند لا يعرفون إلّا عبادة الأوثان وإحراق أنفسهم بالنيران واليهود مشتغلون بالتحريف والتشبيه وتكذيب المسيح والنصارى بالحلول والتثليث ، فلما بعث رسول الحق الصادق المصدّق المؤيد بالأعلام الباهرة ، والمعجزات الظاهرة والملّة الغرّاء والحجة البيضاء والدين القويم والصراط المستقيم داعيا إلى ما يقتضيه العقل الصريح من التوحيد المحض الصحيح والعبادات الخالصة والسّنن العادلة والسياسات الفاضلة ، ورفض الرسوم الجائرة والعادات الفاسدة زالت هذه الجهالات الفاحشة والضلالات الباطلة ، وصارت الملّة الحنفية لائحة المنار باقية الآثار كثيرة الأعيان قوية الأركان في عامّة البلدان ، وانطلقت الألسنة بتوحيد الملك العلّام ، واستنارت العقول بمعرفة خالق الأنام ، ورجع الخلق من حبّ الدنيا إلى حبّ المولى ، ولما لم يكن معنى النبوّة إلا تكميل الناقص في القوة العملية والعملية ، وهذا بسبب