____________________________________
فهل يقبل ذلك منه لوجوب التوبة أم لا؟ لأنه ليس باختياره بل بإلجاء الخوف إليه ، فيكون كالإيمان عند اليأس أي في ظهور ما يلجئه إليه فإنه غير مقبول إجماعا ، فهو مناف لما نقل الآمدي من الإجماع على القبول في المسألتين السابقتين.
ثم اعلم أن من أراد أن يكون مسلما عند جميع طوائف الإسلام فعليه أن يتوب من جميع الآثام صغيرها وكبيرها سواء يتعلق بالأعمال الظاهرة ، أو بالأخلاق الباطنة ، ثم يجب عليه أن يحفظ نفسه في الأقوال والأفعال والأحوال من الوقوع في الارتداد نعوذ بالله من ذلك فإنه مبطل للأعمال ، وسوء خاتمة المآل ، وإن قدر الله عليه وصدر عنه ما يوجب الردّة فيتوب عنها ويجدّد الشهادة لترجع له السعادة ، هذا وفي الخلاصة إيمان اليأس غير مقبول وتوبة اليأس المختار أنها مقبولة. انتهى.
ولا يخفى أن هذه الرواية مخالفة لظاهر الدراية حيث ورد قوله عليه الصلاة والسلام : «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر (١) ، بل النص الصريح في قوله سبحانه : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) (٢) فيجب على كل أحد معرفة الكفريات أقوى من معرفة الاعتقاديات ، فإن الثانية يكفي فيها الإيمان الإجمالي بخلاف الأولى ، فإنه يتعين العلم التفصيلي لا سيما في مذهب إمامنا الحنفي ، ولذا قيل : الدخول في الإسلام سهل في تحصيل المرام ، وأما الثبات على الأحكام فصعب على جميع الأنام ويشير إليه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) (٣) الآية ، وقد قالوا : الاستقامة خير من ألف كرامة ، ومن اللطائف أنه قيل : لو أحد من جيران أبي يزيد [قيل له] (٤) أما تسلم ، فقال : إن كان الإسلام كإسلام أبي يزيد فما أقدر على أن أخرج عن عهدته ، وإن كان الإسلام كإسلامكم فما تعجبني أحوالكم في أحكامكم ، فإذا تبيّن ذلك لك فاعلم أني أذكر ما وصل إليّ من قول العلماء في هذا الباب ، واختلاف بعضهم في الجواب وأبين ما يظهر لي فيه من الصواب.
وقد سبق ذكر بعض هذه المسائل في هذا الكتاب فلنذكر ما عداها وما يترتب
__________________
(١) هو المتقدم.
(٢) النساء : ١٨.
(٣) فصّلت : ٣٠.
(٤) أضفت ما بين قوسين [] ليستقيم المعنى. لوجود نقص في الأصل.