____________________________________
تزول كثير من الإشكالات على ما لا يخفى ، وأما ما ذكره قاضي خان (١) من منع هذا المنام وشدّد في هذا المقام وقوّاه بنقله عن بعض العلماء الفخام فقد بيّنت جوابه وعيّنت صوابه في المرقاة شرح المشكاة.
ومنها : أن المقتول ميت بأجله ووقته المقدّر لموته فقد قال الله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٢). وزعم بعض المعتزلة (٣) أن الله قد قطع عليه أجله ، كذا عبارة شرح العقائد والصواب ما في شرح المقاصد من أن القاتل قطع عليه الأجل ، لأن قتل المقتول عندهم فعل القاتل ، واستدلّوا بالأحاديث الواردة في أن بعض الطاعات يزيد في العمر ، وبأنه لو كان ميتا بأجله لما استحق القاتل ذمّا ولا عقابا ولا دية ولا قصاصا ، وأجيب عن الأول بأن الله تعالى كان يعلم أنه لو لم يفعل هذه الطاعة لكان عمره أربعين سنة ، لكنه علم أنه يفعلها ويكون عمره سبعين سنة فنسبت هذه الزيادة إلى تلك الطاعة والعبادة بناء على علم الله سبحانه أنه لولاها لما كانت تلك الزيادة ، كذا في شرح العقائد ، وفيه أنه يعود إلى القول بتعدّد الأجل كما زعم الكعبي (٤) من المعتزلة ، والمذهب أنه واحد فالأوجه أن يقال : المراد بالزيادة والنقصان بحسب الخير والبركة ، أو بالنسبة إلى ما في اللوح المحفوظ مطلق وهو في علم الله مقيد ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٥). (ولا يتوهم) من قوله تعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (٦). أنه قدّر أجلان لأن الأجل الحقيقي واحد مآلا ، وأجيب عن الثاني أن وجوب العقاب والضمان على القاتل تعبّدي لارتكابه المنهي عنه وكسبه الفعل الذي يخلق الله عقيبه الموت بطريق جري العادة ، فإن القتل فعل القاتل كسبا ، وإن لم يكن له خلفا ، والموت قائم بالميت ومخلوق الله تعالى لا صنع فيه للعبد تخليقا ولا اكتسابا ، كذا وقع في شرح العقائد ذكر التعبّد ومعناه إظهار العبودية
__________________
(١) قاضي خان : هو حسين بن منصور الأوزجندي ، كان غوّاصا في المعاني الدقيقة مجتهدا له الفتاوى المشهورة ب «فتاوى قاضي خان» ، والواقعات والأمالي ، وشرح الزيادات. توفي سنة ٥٩٢ ه.
(٢) الأعراف : ٣٤.
(٣) تصحّفت في الأصل إلى المنزلة والصواب : المعتزلة.
(٤) هو عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الحنفي أبو القاسم الكعبي المعتزلي البغدادي المتوفى سنة ٣١٧ ه. من مصنفاته ، أدب الجدل وأوائل الأدلة في أصول الدين وغيرها.
(٥) الرعد : ٣٩.
(٦) الأنعام : ٢.