____________________________________
ومنها : أن العبد ما دام عاقلا بالغا لا يصل إلى مقام يسقط عنه الأمر والنهي لقوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (١). فقد أجمع المفسّرون على أن المراد به الموت ، وذهب بعض أهل الإباحة إلى أن العبد إذا بلغ غاية المحبة وصفا قلبه من الغفلة واختار الإيمان على الكفر والنكران سقط عنه الأمر والنهي ، ولا يدخله الله النار بارتكاب الكبائر ، وذهب بعضهم إلى أنه تسقط عنه العبادات الظاهرة وتكون عباداته التفكّر وتحسين الأخلاق الباطنة ، وهذا كفر وزندقة وضلالة وجهالة ، فقد قال حجة الإسلام : إن قتل هذا أولى من مائة كافر ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام : «إذا أحبّ الله عبدا لم يضرّه ذنب» (٢). فمعناه أنه عصمه من الذنوب ، فلم يلحقه ضرر العيوب ، أو وافقه للتوبة بعد الحوبة ومفهوم هذا الحديث أن من أبغضه الله فلا تنفعه طاعة حيث لا يصدر عنه عبادة صالحة ونيّة صادقة. ولذا قيل :
من لم يكن للوصال أهلا |
|
فكلّ طاعاته ذنوب |
وأما ما نقل عن بعض الصوفية من أن العبد السالك إذا بلغ مقام المعرفة سقط عنه تكليف العبادة فوجهه بعض المحقّقين منهم بأن التكليف مأخوذ من الكلفة بمعنى المشقّة والعارف تصدر عنه العبادة بلا كلفة ومشقّة ، بل يتلذّذ بالعبادة وينشرح قلبه بالطاعة ، ويزداد شوقه ونشاطه بالزيادة علما بأنها سبب السعادة ، ولذا قال بعض المشايخ : الدنيا أفضل من الآخرة لأنها دار الخدمة ، والآخرة دار النعمة ومقام الخدمة أولى من مرتبة النعمة (٣).
وقد حكي عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه أنه قال : لو خيّرت بين المسجد والجنة لاخترت المسجد لأنه حق الله سبحانه ، والجنة حظّ النفس ، ومن ثم اختار بعض الأولياء طول البقاء في الدنيا على الموت مع وجود اللقاء في العقبى ، والحاصل أن الترقّي فوق التوقف فإنه كالتدلّي (٤).
__________________
(١) الحجر : ٩٩.
(٢) أخرجه الديلمي في الفردوس ٢٤٣٢ من حديث أنس ولفظه : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له وإذا أحبّ الله عبدا لم يضرّه ذنب».
(٣) هذا الكلام مخالف للقرآن الكريم فقد قال الله سبحانه مخاطبا نبيّه : «وللآخرة خير لك من الأولى».
(٤) لم يصح عن علي كرّم الله وجهه هذا القول وكيف يقول ذلك وهو الذي كان طيلة عمره يتمنى الشهادة في سبيل الله من أجل الوصول إلى الجنة.