والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم ...
____________________________________
قادر على الإيمان المكلّف به إلا أنه صرف قدرته إلى الكفر وضيّع باختياره صرفها إلى الإيمان فاستحق الذمّ والعقاب من هذا الباب ، وأما ما يمتنع بالغير بناء على أن الله تعالى علم خلافه ، أو أراد خلافه كإيمان الكافر وطاعة العاصي فلا نزاع في وقوع التكليف به لكونه مقدور المكلّف بالنظر إلى نفسه ، فليس التكليف به تكليفا بما ليس في وسع البشر نظرا إلى ذاته ، ومن قال : إنه تكليف بما ليس في الوسع فقد نظر إلى ما عرض له من تعلّق علمه تعالى وإرادته سبحانه بخلافه.
وبالجملة لو لم يكلّف العبد به لم يكن تارك المأمور عاصيا ، فلذا عدّ مثل إيمان الكافر وطاعة الفاسق من قبيل المحال بناء على تعلق علمه وإرادته بخلافه ، وهو عندنا من قبيل ما لا يطاق بناء على صحة تعلّق القدرة الحادثة في نفسه ، وإن لم يوجد عقيبه ، وهذا نزاع لفظي عند أرباب التحقيق ، والله وليّ التوفيق.
ثم اعلم أن مراتب ما ليس في وسع البشر إتيانه ثلاث : أقصاها أن يمتنع بنفس مفهومه كجمع الضدّين وقلب الحقائق وإعدام القديم ، وهذا لا يدخل تحت القدرة القديمة فضلا عن الحادثة.
وأوسطها أن لا تتعلق بها القدرة الحادثة أصلا ، كخلق الأجسام. أو عادة كحمل الجبل والصعود إلى السماء.
وأدناها أن يمتنع لتعلق علمه سبحانه وإرادته بعدم وقوعه ، وفي جواز التكليف بالمرتبة الثالثة تردّد ولا نزاع في عدم الوقوع ، وجواز الثانية مختلف فيه ولا خلاف في عدم الوقوع ووقوع الثالثة متّفق عليه فضلا عن جوازها (والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم) أي جميعهم الشامل لرسلهم ومشاهيرهم وغيرهم أولهم آدم عليه الصلاة والسلام على ما ثبت بالكتاب والسّنّة وإجماع الأمة فما نقل عن بعض من إنكار ثبوته يكون كفرا ، وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال : «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، وفي رواية مائتا ألف وأربعة وعشرون ألفا» (١) إلا أن
__________________
(١) هو بعض حديث طويل أخرجه أحمد ٥ / ٢٦٥ من حديث أبي أمامة. وذكره الهيثمي في المجمع ١ / ١٥٩. وقال : رواه أحمد والطبراني في الكبير ومداره على علي بن يزيد وهو ضعيف.
وفي الباب عن أبي ذر عند أحمد ٥ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، قال الهيثمي في المجمع ١ / ١٦٠ : رواه أحمد ، والبزار ، والطبراني في الأوسط بنحوه ، وعند النسائي طرف منه ، وفيه المسعودي ، وهو ثقة ولكنه اختلط. ا. ه.