منزّهون عن الصغائر والكبائر والكفر والقبائح ...
____________________________________
الأولى أن لا يقتصر على عدد فيهم (منزّهون) أي معصومون (عن الصغائر والكبائر) أي من جميع المعاصي (والكفر) خصّ لأنه أكبر الكبائر ولكونه سبحانه : (لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١). (والقبائح) وفي نسخة والفواحش وهي أخصّ من الكبائر في مقام التغاير كما يدل عليه قوله سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) (٢) والمراد بها نحو القتل والزنى واللواطة والسرقة وقذف المحصنة والسحر والفرار من الزحف والنميمة وأكل الربا ومال اليتيم ، وظلم العباد وقصد الفساد في البلاد.
وقال سعيد بن جبير : إن رجلا قال لابن عباس رضي الله عنهما : كم الكبائر ، أسبع هي؟ قال : إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار.
واختلفوا في حدّ الكبيرة فقال ابن سيرين رضي الله عنه : كل ما نهى الله عنه فهو كبير ويؤيده ظاهر قوله سبحانه : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (٣) الآية.
وقال الحسن وسعيد بن جبير والضحاك (٤) وغيرهم : ما جاء في القرآن مقرونا بذكر الوعيد فهو كبيرة ، وهذا هو الأظهر فتدبّر.
ثم اعلم أن ترك الفرض أو الواجب ولو مرة بلا عذر كبيرة ، وكذا ارتكاب الحرام وترك السّنّة مرة بلا عذر تساهلا وتكاسلا عنها صغيرة ، وكذا ارتكاب الكراهة والإصرار على ترك السّنّة ، أو ارتكاب الكراهة كبيرة إلا أنها كبيرة دون كبيرة ، لأن الكبير والصغير من الأمور الإضافية والأحوال النسبية ، ولذا قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، قال شارح عقيدة الطحاوي ، «وثم أمر ينبغي التفطّن له وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر ، وقد يقترن بالصغيرة من قلّة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها
__________________
(١) النساء : ٤٨.
(٢) النساء : ٣١.
(٣) النجم : ٣٢.
(٤) هو أبو القاسم الضحاك بن مزاحم الهلالي ، صاحب التفسير المتوفى سنة ١٠٢ ه. قال الإمام الذاهبي : كان من أوعية العلم ، وليس بمجود في حديثه ، وهو صدوق في نفسه ولم يلق ابن عباس ، وإنما لقي سعيد بن جبير فأخذ عنه التفسير. ترجم في السّير ٤ / ٥٩٨ ـ ٦٠٠.