____________________________________
النسفي (١) في المنار أن القرآن اسم للنظم ، والمعنى : جميعا ، وكذا قال غيره من أهل الأصول ، وما ينسب إلى أبي حنيفة رحمهالله ، أن من قرأ في الصلاة بالفارسية أجزأه فقد رجع عنه (٢) ، وقال : لا يجوز مع القدرة بغير العربية ، وقال : لو قرأ بغير العربية فأما أن يكون مجنونا فيداوى ، أو زنديقا فيقتل ، لأن الله تكلم بهذه اللغة والإعجاز حصل بنظمه ومعناه.
ومنها : إن استحلال المعصية صغيرة كانت أو كبيرة إذا ثبت كونها معصية بدلالة قطعية ، وكذا الاستهانة بها كفر بأن يعدّها هيّنة سهلة ويرتكبها من غير مبالاة بها ويجريها مجرى المباحات في ارتكابها ، وكذا الاستهزاء على الشريعة الغرّاء كفر لأن ذلك من أمارات تكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قال ابن الهمام : وبالجملة فقد ضمّ إلى تحقيق الإيمان إثبات أمور الإخلال بها إخلال بالإيمان اتفاقا كترك السجود لصنم ، وقتل نبي ، أو الاستخفاف به ، أو بالمصحف ، أو الكعبة ، وكذا مخالفة ما أجمع عليه وإنكاره بعد العلم به يعني من أمور الدين فإن من أنكر جود حاتم ، أو شجاعة عليّ رضي الله عنه لا يكفر ، قال ابن الهمام : وقد كفّر الحنفية من واظب على ترك سنّة استخفافا بها بسبب أنها فعلها النبي صلىاللهعليهوسلم زيادة أو استقباحها كمن استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه ، أو إخفاء شاربه.
قلت : ولذا روي أن أبا يوسف رحمهالله ذكر أنه عليه الصلاة والسلام كان يحب الدباء فقال رجل : أنا ما أحبّها فحكم بارتداده وعلى هذه الأصول تبتني الفروع التي ذكرت في الفتاوى من أنه إذا اعتقد الحرام حلالا فإن كان حرمته لعينه ، وقد ثبت بدليل قطعي يكفر ، وإلا فلا بأن تكون حرمته لغيره ، أو ثبت بدليل ظنّي ، وبعضهم لم يفرّق بين الحرام لعينه ولغيره ، فقال : من استحلّ حراما ، وقد علم في دين النبي صلىاللهعليهوسلم تحريمه كنكاح ذوي المحارم ، أو شرب الخمر ، أو أكل ميتة ، أو دم ، أو لحم خنزير من غير
__________________
(١) هو عبد الله بن أحمد بن محمود ، أبو البركات النسفي الفقيه الأصولي ، المحدّث المتوفى سنة ٧١٠ ه وكتابه المنار اسمه الكامل «منار الأنوار» مختصر مفيد في أصول الفقه كثير التداول والانتشار وعليه شروح كثيرة.
(٢) في الهداية ، وشرحها للعيني ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠ : ويروى رجوع أبي حنيفة في أصل المسألة ـ يعني القراءة بالفارسية ـ إلى قول أبي يوسف ومحمد ، في عدم حجة القراءة بغير العربية ، رواه أبو بكر الرازي وغيره ، وعليه الاعتماد لتنزيله منزلة الإجماع فإن القرآن اسم للنظم والمعنى جميعا بالإجماع. ا. ه.