والحساب والميزان ، والجنة والنار حق كله. والله تعالى واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ....
____________________________________
الشهادة تبعا له صلىاللهعليهوسلم حيث أجاب سؤال جبرائيل عليهالسلام عن الإيمان بهذا المقدار من البيان إلا أن الإمام الأعظم رحمهالله عبّر عن اليوم الآخر بمبدئه من البعث بعد الموت ليشمل حال البرزخ والموقف. ثم رأيت في نسخة صحيحة أنه جمع بين قوله : واليوم الآخر ، والبعث بعد الموت ، فتعيّن أن يراد حينئذ من البعث بعد الموت هو الإحياء في القبر ، أو أراد باليوم الآخر جميع أحوال القيامة وما بعدها من المثوبة والعقوبة ، ثم خصّ منها البعث للحشر والنشر ، فإنه أول ما فيه نزاع أهل الكفر ولأنها تشتمل على أصول الإيمان التفصيلي فأراد بذلك أن ينبّهك في أول كتابه إجمالا على ما أراد بيانه فيه تفصيلا وإكمالا ، كما أنه أجمل بقوله : والبعث بعد الموت أولا ثم ذيّله بقوله آخرا. (والحساب والميزان والجنة والنار حق كله) وكذا الصراط والحوض وغيرهما من مواقف القيامة على ما سيأتي بيانها ويرد برهانها. ثم الإمام الأعظم أوضح معنى التوحيد بظهور المرام حيث قال : (والله تعالى واحد) أي في ذاته (لا من طريق العدد) أي حتى لا يتوهّم أن يكون بعده أحد (ولكن من طريق أنه لا شريك له). أي في نعته السرمدي لا في ذاته ولا في صفاته ولا نظير له ، ولا شبيه له كما سيأتي في كلامه النبيه تنبيه على هذا التنزيه وكأنه استفاد هذا المعنى من سورة الإخلاص على صورة الاختصاص (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) أي متوحّد في ذاته متفرّد بصفاته (اللهُ الصَّمَدُ) أي المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) أي ليس بمحل الحوادث ولا بحادث. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) أي ليس له أحد مماثلا ومجانسا ومشابها وفيه رد على كفّار مكة حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، وعلى اليهود حيث قالوا : عزير ابن الله وعلى النصارى حيث قالوا : المسيح ابن الله ، وإن أمه صاحبة له ، وفي التنزيل حكاية عن مؤمني الجن : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) (١). أي بطريق المجاز إذ على سبيل الحقيقة محال ذلك على الملك المتعال.
والحاصل أن صانع العالم واحد إذ لا يمكن أن يصدق مفهوم واجب الوجود إلا على ذات واحدة متّصفة بنعوت متعددة كما يستفاد من قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ
__________________
(١) الجن : ٣.